خطابات “أبي عبيدة” والاتصال بالجماهير.. كيف تدير المقاومة إعلامها في الحرب؟ | آراء – البوكس نيوز
البوكس نيوز – اخبار – نتحدث اليوم حول خطابات “أبي عبيدة” والاتصال بالجماهير.. كيف تدير المقاومة إعلامها في الحرب؟ | آراء والذي يثير الكثير من الاهتمام والجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكما سنتناول بالتفصيل حول خطابات “أبي عبيدة” والاتصال بالجماهير.. كيف تدير المقاومة إعلامها في الحرب؟ | آراء، وتعد هذا المقالة جزءًا من سلسلة المقالات التي ينشرها البوكس نيوز بشكل عام.
يعود اهتمام كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، بالإعلام، إلى بدايات تأسيس الجهاز، وإذا كانت الكتائب منذ البدايات قد اهتمّت بتوثيق صور مقاتليها الأوائل بالسلاح القليل الذي كانوا يحوزونه، وأصدرت بياناتها العسكرية، مضمّنة إياها تعبئة عسكرية وأيديولوجية واضحة، وتوفَّرَ لحركتها الأم، حماس، إعلامٌ رديف أوسع، يُعنى بالتوثيق العسكري لمسار الحركة، فإنّ أوّل عمليّة مصوّرة بحَسَب أدبيات الكتائب، كانت عملية “مصعب بن عمير”، التي وقعت قرب مسجد “مصعب بن عمير” في حيّ الزيتون بمدينة غزّة في 12 كانون الأول/ ديسمبر 1993، أي عشية توقيع اتفاقية أوسلو. نفّذ العملية عماد عقل، أحد أشهر مقاتلي القسّام الأوائل، وأفضت إلى مقتل ثلاثة جنود بينهم ضابط، واغتنام قطعتَي سلاح من نوع (M16).
منذ ذلك الوقت والكتائب، في ظرف يفتقد الاستقرار اللازم لتطوير العمل الإعلاميّ والدعائي والتعبوي، ومثلها بقية فصائل المقاومة، تحاول تعزيز مشروعها المقاوم بجهد إعلاميّ تعبويّ، يقصد ثلاثة أهداف، الأوّل الرفع المعنوي للجماهير الفلسطينية وتعبئتها بالخطاب المقاوم، والثاني رسائل دعائية مضادّة للداخل الإسرائيلي، والثالث توثيق جهدها العسكري، بيدَ أنّه يمكن إضافة أهداف أخرى، ذات طبيعة استخباراتية تخدم عملها العسكري، كما في حادثة أسر الجندي الإسرائيلي “نحشون فاكسمان” الذي اختطفته مجموعة من كتائب القسام عام 1994، واحتجزته في بلدة بير نبالا في شمالي غرب القدس بالضفة الغربية، وصوّرت احتجازها للجندي وبثّته، إلا أنّها في الوقت نفسه أرسلت سلاحه وبطاقة هُويته إلى قطاع غزّة، ليخرج بهما ملثّمًا، محمّد الضيف، معلنًا عن أسر الجنديّ، وكان ذلك بهدف التمويه على المكان الحقيقي لاحتجاز الجندي.
بدأت الكثافة الإعلامية في أداء الكتائب، وغيرها من فصائل المقاومة، في انتفاضة الأقصى، فبالإضافة للبيانات العسكرية، اهتمّت الكتائب بتصوير وصايا مقاتليها، لاسيما الاستشهاديين منهم، وتصوير عملياتها، وإنتاجها التسليحي بغزّة والذي كان في بداياته، وقد وفّر انسحاب الاحتلال من قطاع غزّة في العام 2005، ثمّ ما تسميه حركة حماس بـ “الحسم العسكري” في العام 2007، والذي أفضى إلى سيطرتها الكاملة على قطاع غزّة، فرصةً لتطوير بنية إعلامية مستقرّة، في دائرة خاصّة، تُدعى “دائرة الإعلام العسكري”، التي ينهض بها محترفون من بين المقاتلين، سواء في الجانب التقني، أو في جانب محدّدات الخطاب وغاياته وصياغاته، وبالتدريج بدأت الكتائب تُقدّم ناطقًا باسمها، اشتهر باسم “أبي عبيدة”، لا يعرفه الناس إلا من صوته وكوفيته الحمراء وكنيته الإعلامية، والذي يتكثّف ظهوره لتعزيز الجهد التعبوي للكتائب أثناء مواجهاتها الكبرى.
يمكن القول بعد هذا البناء الطويل المؤسس على الخبرة والمراكمة- والذي عبَر بنجاح من ظروف بالغة القسوة، في سلسلة المواجهات منذ انتفاضة الأقصى وصولًا إلى معركة “طوفان الأقصى”-: إنّ الكتائب كانت قد بلورت فلسفتها الإعلامية، وبنيتها القائمة بهذه الفلسفة، وَفق الخطوط التالية:
أردفت الكتائب خطاب “أبي عبيدة” بشريط مصوّر للأسيرة الإسرائيلية “ميا شيم” وهي تتلقى العلاج لدى الكتائب، وكانت هذه الأسيرة قد حظيت من قبلُ باهتمام واضح من عائلتها وأصدقائها، بعد أسرها
أولًا: الاتصال المستمر بالجماهير
ليس فقط من خلال موقعها الإلكترونيّ، أو حرصها بأن يكون لها- ما استطاعت – منبرٌ في مواقع التواصل الاجتماعي، وأخيرًا بتطويرها تطبيقًا إلكترونيًا لبثّ أخبارها، ولكن أيضًا، وهو الأهمّ، من خلال سلسلة الإطلالات الإعلامية لبعض قياداتها، والإفصاح عن بعض تجهيزاتها، أو بعض عمليّاتها السّابقة، أو بغرض تمرير رسائل معينة، كما في ملفّ الأسرى مثلًا، والإنتاج الخاصّ لهذا النوع من الموادّ الإعلامية، والانفتاح على المؤسّسات الأخرى، بتوفير ما يلزم لها من موادّ بخصوص الكتائب، وقد أثمر ذلك العديد من الأفلام الإخبارية والوثائقية. يهدف هذا الاتصال المستمرّ إلى ضمان ارتفاع السويّة المعنوية للفلسطينيين، والاحتفاظ بثقتهم التي حصّلتها الكتائب في تاريخها النضالي.
ثانيًا الضغط الدعائي المستمر على الاحتلال
وجبهته الداخلية، وقد تكثّف هذا الضغط في فترات الهدوء فيما يخصّ ملفّ الجنود الذين أسرتْهم الكتائب في حرب العام 2014، وفي الوقت نفسه، تريد من الإفصاحِ المدروس عن تجهيزاتها؛ التشويش على الخطط الحربية الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة.
ثالثًا: تثبيت المصداقية
بالامتناع عن المبالغة الدعائية، والحرص على الدقة في كشفها عن عملياتها نوعًا ونتائج، وهو ما يمكن عدّه تطوّرًا مهمًّا في الخطاب الدعائي القتالي الفلسطيني، ومعزِّزًا للثقة بالكتائب، سواء من جمهورها، أو عموم المراقبين.
رابعًا: تعزيز المستوى السياسي
بالرؤية السياسية، ببيان الأهداف السياسية من العمل العسكري لحماس، وأكثر ما يتَّضح ذلك في المواجهات الكبرى، التي لا تكتفي فيها الكتائب بالبيانات العسكرية، أو بالجهد التعبوي، ولكن بالتأكيد على أغراضها السياسية، كما في كلمة قائدها محمد الضيف في مفتتح عملية “طوفان الأقصى”، أو في عدد من خطابات الناطق باسمها “أبي عبيدة”.
في عملية “طوفان الأقصى” ظهرت هذه الخطوط الأربعة واضحة، وبالاعتماد على أدوات تضمن تبليغ الرسائل بالكثافة والدقة المطلوبتَين، وذلك من خلال ما يلي:
- الخطابات المحمَّلة بالرسائل المباشرة، كخطاب محمد الضيف في إطلاق “طوفان الأقصى”، والذي افتتحه ببيان تأسيسي لمشروعية المقاومة الفلسطينية، ثمّ أردفه بالدواعي المباشرة للعملية كسياسات الاحتلال، مع التركيز على قضيتَي الأقصى والأسرى، ثمّ ختمه بخطاب الأمّة وَفق تدرج متسلسل ابتداءً من الفلسطينيين في الضفة والقدس والداخل المحتل عام 1948، ثمّ جماهير الأمّة في بلاد سمّاها بالاسم، ثمّ بقية قوى المقاومة في الإقليم.
ليكشف خطابه لهذه الأطراف عن جانب من أهداف الكتائب الضمنيّة من عملية “طوفان الأقصى”، وهو السعي في إحداث خلخلة في الأوضاع الإقليمية لصالح القضية الفلسطينية، ومثله، خطاب “أبي عبيدة” الذي بثّته القسَّام بعد خمسة أيام على المعركة، وتضمَّن شرحًا مفصلًا لمجريات المعركة، من دواعي التخطيط، وظروف التّخطيط، ثمّ مسارات التنفيذ، بما يشمل إنجازات الكتائب وخسائر الاحتلال، وبما لا يخلّ بدوره من رسائل سياسية وتعبوية، وخطاب مباشر للجماهير والمقاومين والأسرى والعدوّ، وكذلك خطابه الذي أفصح فيه عن عدد الأسرى والمحتجزين لدى الكتائب وسياسة الكتائب إزاءهم، وذلك في اشتباك مباشر مع الجهد السياسي الذي تعلّق بهذا الملّف، ولغرض التأثير في الرأي العام العالمي، والجبهة الداخلية للاحتلال، وإرباك حسابات مؤسسته السياسية والعسكرية.
ومن ثَمّ أردفت الكتائب خطاب “أبي عبيدة” بشريط مصوّر للأسيرة الإسرائيلية “ميا شيم” وهي تتلقى العلاج لدى الكتائب، وكانت هذه الأسيرة قد حظيت من قبلُ باهتمام واضح من عائلتها وأصدقائها، بعد أسرها، ما يعني أن اختيارها كان مقصودًا، وقد سبق أن أفرجت الكتائب عن إسرائيلية وطفلَيها وبثّت ذلك، وبثّت الكيفية التي عامل بها مقاتلوها مَن وجدوهم من الأطفال أثناء العملية، في ردّ مباشر على الدعاية الإسرائيلية والغربية المعادية.
- الكشف المتدفق، عن تجهيزات الكتائب العسكرية، بما في ذلك سلاحها المصنع محلّيًّا، من خلال شرائط قصيرة، أو الكشف عن عملياتها، سواء عمليات الاقتحام يوم 7 تشرين/ أكتوبر، أو العمليات الجارية أثناء العدوان، بما في ذلك عمليات القصف، أو نشر وصايا الشهداء المصورة، أو نشر أسمائهم وصورهم ومعلوماتهم وظروف استشهادهم.
- البيانات العسكرية الموجزة، التي تكشف استمرار الأداء القتالي لكتائب القسام على وتيرته نفسها، بالرغم من قوّة النيران وتفوُّق الطيران اللذين يمتلكهما الإسرائيلي.
يحرص الإعلام العسكري للقسام، في ذلك كلّه، حتى في صيغه التعبوية، على الإيجاز والدقة والمباشرة، ويتخيّر الأوقات الخاصّة، بحَسَب مجريات المعركة أو بحَسَب التطوّرات السياسية لخروج الناطق العسكري الذي تعلّقت الجماهير بخطاباته، ومن ثمّ تهتمّ السياسة الإعلامية للقسّام بعدم استهلاك الناطق العسكري، والحفاظ على قدرته على التأثير والرفع المعنوي بتقليل ظهوره أثناء المعركة، وتخيّر الأوقات التي تحتاج خطابًا مهمًّا من الكتائب، كظهور “أبي عبيدة” للإعلان عن أسر الجندي شاؤول أرون في معركة العام 2014، بعد تنفيذ الاحتلال مجزرة حيّ الشجاعيَّة فجر اليوم نفسه الذي أُسِر فيه الجندي.
من عملية “مصعب بن عمير” إلى “طوفان الأقصى”، طوّرت كتائب القسام إعلامًا عسكريًّا لا على مستوى البنية التحتية المستقرّة أو التقنيات فحَسْب، بل وعلى مستوى الخطاب شكلًا ومضمونًا، ليكون من أهمّ مرتكزاتها إلى جانب سلاحها في أكبر معاركها وأخطرها، “طوفان الأقصى”.
وفي نهاية مقالتنا إذا كان لديك أي اقتراحات أو ملاحظات حول الخبر، فلا تتردد في مرسلتنا، فنحن نقدر تعليقاتكم ونسعى جاهدين لتلبية احتياجاتكم وتطوير الموقع بما يتناسب مع تطلعاتكم ونشكرًكم علي زيارتكم لنا، ونتمنى لكم قضاء وقت ممتع ومفيد معنا.