“الدروع البشرية” في غزة من منظور قانوني وأخلاقي | آراء – البوكس نيوز

“الدروع البشرية” في غزة من منظور قانوني وأخلاقي | آراء – البوكس نيوز

البوكس نيوز – اخبار – نتحدث اليوم حول “الدروع البشرية” في غزة من منظور قانوني وأخلاقي | آراء والذي يثير الكثير من الاهتمام والجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكما سنتناول بالتفصيل حول “الدروع البشرية” في غزة من منظور قانوني وأخلاقي | آراء، وتعد هذا المقالة جزءًا من سلسلة المقالات التي ينشرها البوكس نيوز بشكل عام.

أوضحت -في مقال الأسبوع الماضي– كيف أن السياسيين والعسكريين الإسرائيليين والغربيين استثمروا -جميعًا- حُجة “استخدام الدروع البشرية” بوصفها جزءًا من الحرب السياسيّة والعسكريّة على غزة. وفي هذا المقال أوضح كيف أن ذلك الاستثمار السياسي لمصطلح قانوني وعسكري هو: “الدروع البشري” (human shields) لا يُسوّغ -من الناحيتَين القانونية والأخلاقية- وقوع هذا العدد الهائل من الضحايا المدنيين الفلسطينيين.

ثمة -في هذا السياق- تعبيران يحملان المعنى نفسه من حيث اللغة، ولكنهما يحيلان -من منظور تاريخي ومفهومي- إلى أمرَين مختلفين. التعبير الأول: هو “الدروع البشرية”، والتعبير الثاني: هو “التترس” (اتخاذ تُرْس). فالأول عسكري وقانوني حديث يعبّر عن جريمة حرب، بينما الثاني فقهي وصفي يُطلب فيه الحكم المعياري، وثمة خلاف حول تفاصيله بين المذاهب الفقهية تاريخيًّا، وقد استخدمته جماعات العنف -في الزمن الحاضر- لتسويغ إصابة المدنيين المسلمين في معاركها مع الأنظمة السياسيّة الداخلية.

لا ينبغي للنقاش حول “الدروع البشرية” أن يتحول إلى نقاش تقني أو قانوني الطابع فقط؛ إذ إن القيمة المركزية هنا هي صيانة أرواح المدنيين وتجنيبهم ويلات الحرب

أمّا اتخاذ دروع بشرية، فهو أمر مجرّم في القانون الدولي، ويتضمن أمرين:

  • الأول: استخدام المدنيين بشكل مباشر في الحرب،
  • والثاني: الاستفادة من وجود المدنيين؛ لحماية هدف عسكري من الهجوم عليه، أو لإعاقة العمليات العسكرية للعدو.

أما التترس، فمعناه أن يحتمي العدو غيرُ المسلم بمن يَحرم قتله (من المسلمين أو أهل الذمة وَفق الاصطلاح التاريخي)، يريد بالتُرْس صدَّ المسلمين عنه لتحقيق غرض عسكري.

ونلحظ فوارق عدة بين مفهومي الدروع البشرية والتترس وهي:

  • الأول: أن التترس يتمحور -أساسًا- حول اتخاذ العدو غير المسلم ترسًا ممن يَحْرم قتله، ومن ثم انصرف النقاش الفقهي التاريخي إلى حكم المضي قدمًا في العمل العسكري؛ إذا كان سيؤدي إلى قتل الترس البشري (من المسلمين أو أهل الذمة أو نساء العدو نفسه وصبيانه الذين يَحرم قتلهم في الحرب).

ومن اللافت أن النقاش الفقهي حول التترس يستبعد -فيما أعلم- فكرة استعمال المسلمين أنفسهم الترسَ، ويبدو أنها لم تكن مطروحة ولم يسبق للمسلمين -فيما نعلم- أن استعملوا الترس البشري في الحروب، ولكن استعمله غيرهم قديمًا وحديثًا.

  • الثاني: أن التترس جزء من منظومة ما قبل الدولة الحديثة التي تصوغ تصورها الخاص حول من يَحرم قتله في الحرب، بينما تتمحور فكرة الدروع البشرية حول مبدأ أو قاعدة مركزية، وهي التمييز بين المدني والعسكري أولًا، وإعطاء حرمة متميزة للمدني وحمايته في الحرب ثانيًا، ومن هنا اعتُبر استخدام الدروع البشرية جريمة قانونية؛ لأنه يلغي هذه الفوارق ويهدر حرمة المدنيين الذين ليسوا جزءًا من الحرب ولا يساهمون فيها. وعلى هذا، فمفهوم “المدني” الحديث أوسعُ من التصورات الفقهية الكلاسيكية لمن يَحرم قتله في الحرب.

لننتقل الآن إلى الحرب على غزة لننظر فيما إذا كان يتحقق فيها مفهوم “الدروع البشرية”، كما يدعي الإسرائيليون والأميركيون وغيرهم من الأوروبيين؟

قلنا: إن المعنى القانوني للدروع يتضمن أمرين: الأول: “استخدام” المدنيين في الحرب لتحقيق أغراض عسكرية، والثاني: “الاستفادة” من المدنيين في الحرب.

فـ”الاستخدام” -وهو المعنى الأول- يمكن ضبطه بوضوح، ولم يثبت أن قامت به حماس، ولكن ثبَت أن قامت به إسرائيل عشرات المرات، كما أوضحت في مقال الأسبوع الماضي، وهو عمل مجرم في القانون الدولي.

أما “الاستفادة” من المدنيين -وهي المعنى الثاني- فيصعب ضبطها في حالة غزة؛ لثلاثة اعتبارات:

  • أولها: أننا أمام حرب شنتها إسرائيل على قطاع مدني شديد الكثافة السكانية، ومن الصعب تطبيق شرط تجنب وضع أهداف عسكرية داخل مناطق مكتظة بالسكان.
  • وثانيها: أن هذه الحرب هي حرب من طرف واحد، تدور بين جيش نظامي محتل وحركة مقاومة وطنية ليس لها صفة “الدولة” ولا صفة “الجيش”، ومن ثم فهي غير قادرة على اتخاذ الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين والأهداف المدنية من آثار الهجمات.
  • ثالثها: أن هذه “الاستفادة” من المدنيين في غزة ليست اختيارًا، وإنما هي جزء من طبيعة المكان والسياق، ولهذا فإن طبيعة الاحتلال والجغرافيا والحصار الإسرائيلي المطبق على القطاع كلها عوامل فرضت إستراتيجية المقاومة وليس العكس.

أضف إلى ذلك أن شبكة الأنفاق التي تُستخدم في هذه المقاومة تقع خارج المفهوم القانوني التقليدي لـ “تمركز وحدات عسكرية مقاتلة في مناطق مأهولة بالمدنيين”، ومن ثَم فلا يمكن الحديث عن “وضع أهداف عسكرية داخل أو بالقرب من مناطق مكتظة بالسكان”؛ لأن التصورات التقليدية للحروب بين الدول تختلف عن حالة قطاع غزة، وإستراتيجية المقاومة التي تستعمل الأنفاق، ولا يمكن الحديث فيها عن وضع أهداف عسكرية على الأرض في مناطق مدنية.

ولا بد من إضافة بُعد آخر هنا لمفهوم الاستفادة من المدنيين، وهو تمويه الهدف أو تغيير مظهره من مدني إلى عسكري أو العكس، وقد قامت إسرائيل بذلك عدة مرات حين قامت -بشكل متكرر- بقصف المستشفيات وتدميرها؛ بذريعة كونها أهدافًا عسكرية، وهو ما لم يثبت حتى الآن!

توضح الاعتبارات الثلاثة السابقة تعقيدات تطبيق مفهوم “الدروع البشرية” على حالة غزة من الناحية القانونية، وتوضح -في الوقت نفسه- لماذا ليس لإسرائيل -أيضًا- حق الدفاع عن النفس من الناحيتَين؛ القانونية والأخلاقية، وهو أمر فصّلت فيه في مقال سابق.

فالشروط الموضوعة لتجنيب المدنيين الحربَ وضعت للظروف الطبيعية، وفرضت مسؤوليات على الدول بشكل رئيس، ولكن حالة غزة تنفرد بكونها أرضًا خاضعة للاحتلال والحصار معًا، وليس فيها دولة ولا قتال نظامي، وكونها صغيرةَ الحجم كثيفة السكان، وهذه اعتبارات مهمة في تحقق المتطلبات الواجب اتخاذها لحماية المدنيين من آثار الحرب من جهة، ومهمة أيضًا لإمكان الامتثال لها من جهة أخرى.

ولكن لا ينبغي للنقاش حول “الدروع البشرية” أن يتحول إلى نقاش تقني أو قانوني الطابع فقط؛ إذ إن القيمة المركزية هنا هي صيانة أرواح المدنيين وتجنيبهم ويلات الحرب، في حين أن ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة غالبيتهم من المدنيين، وخاصة من الأطفال والنساء، الأمر الذي لا يمكن تسويغه بذريعة استخدام حماس هؤلاء دروعًا بشرية، وذلك لثلاثة أمور رئيسة، هي:

الأمر الأول: مقصد حماية المدنيين في الحرب

سعى القانونيون -من وراء الاتفاقيات القانونية الصادرة بهذا الشأن- إلى تحقيق مقصد وحيد هو حماية المدنيين وتحييدهم أثناء الحرب، وفي كل الأوقات ومن قبل كل الأطراف. ويمكن أن نجد هذا المعنى في جميع الاتفاقيات؛ بدءًا من اتفاقية لاهاي لعام 1907 م (المادة 23) التي أُنجز فيها أول قانون عابر للدول فيما يخصّ مسألة الدروع البشرية والمدنيين، مرورًا بقانون إخلاء الأسرى من مناطق النزاع عام 1929م، وصولًا إلى القوانين الدولية الأخرى الصادرة في هذا الشأن، مثل؛ اتفاقية جنيف 1949، والبروتوكول الإضافي لها في 1977، ومعاهدة روما عام 1998.

ولتأكيد كون حماية المدنيين هي المقصد الرئيس، من المهم ملاحظة أمرين: أولهما: أن هذه القوانين جاءت على خلفية الانتهاكات بحق المدنيين التي شهدتها الحروب السابقة، وخاصة الحرب العالمية الثانية. وثانيهما: الحرص على ضبط مفهوم “المدني”؛ لحمايته ودرء أي أعمال عدائية مقصودة عنه من جهة، ولتحديد وصف الجريمة فيما لو وقعت من الناحية القانونية.

فالمدني هو غير المقاتل أو مَن لا يقدم العون العسكري في ميدان المعركة، وهنا يجب توضيح أن المدنيين -بحسب المنظور القانوني- يفقدون حصانتهم من الهجمات؛ إذا شاركوا مباشرة في الأعمال العدائية، وخلال هذه المشاركة فقط، وذلك استنادًا إلى مبدأَي حصانة المدنيين، والتمييز بين المدنيين والعسكريين.

بل إن إرشادات “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، توضح أن قوانين الحرب تميز أيضًا بين أفراد القوات المقاتلة المنظمة المنتمين إلى طرف غير تابع للدولة من جهة، والمقاتلين بدوام جزئي من جهة أخرى. فالفئة الأولى يمكن استهدافها في الحرب؛ ما لم تقع في الأسر أو ما لم تُصَب بالعجز، بينما أفراد الفئة الثانية يعتبرون مدنيين ولا يمكن استهدافهم؛ إلا عندما يشاركون مباشرة في أعمال عدائية وخلال تلك المشاركة فقط وليس بعدها. أما الأفراد الاحتياطيون في الجيوش الوطنية فهم -وفق التعريف القانوني- مدنيون؛ ما لم يلتحقوا بالخدمة، وفي تلك الحالة فقط يصبحون مقاتلين ويمكن استهدافهم.

الأمر الثاني: صيانة مبدأ التمييز بين المدني والعسكري

إنما جرى تجريم اتخاذ الدروع البشرية في الحرب؛ لأنه ينطوي على أفعال محرمة من الناحيتين؛ الأخلاقية والقانونية، ويمكن تلخيصها في ثلاثة أمور: أولها: أن اتخاذ الدرع البشري ينطوي على توسل المدنيين؛ أي جعلهم وسيلة من وسائل الحرب، وثانيها: أنه ينطوي على استغلال أحد الطرفين قوانينَ الحرب (عصمة المدنيين)؛ لتحقيق نصر عسكري بوسائل غير عسكرية من خلال استغلال أهداف مدنية. وثالثها: أن توسل المدنيين في الحرب سيجعلهم عرضة للقتل وجزءًا من أدوات المعركة، وهذا سيؤول إلى إلغاء الفارق بين المدني والعسكري، ومن ثم سيُضحى بالمبدأ الأساسي الذي يضبط الحروب من الناحيتين؛ الأخلاقية والقانونية، وهو التمييز بين المدني والعسكري.

ولكن لنفترض أن التدرّع بالمدنيين قد وقع بالفعل من أحد الطرفين، هل يسوغ ذلك قتل الدروع؟ هنا وقع تضليل الإسرائيليين والأميركيين في المسألة، ففضلًا عن أن تنزيل فكرة “الدروع البشرية” على حالة غزة هو محل إشكال من الناحيتين؛ الأخلاقية والقانونية، فإنه -على فرض أننا سلمنا بأنه جرى استخدام الدروع البشرية- ثمة اعتبارات أخرى يلزم تحقيقها في هذه الحالة وتُلزم الطرف الآخر في الحرب، وهي:

  • الأول: أن مبدأ المعاملة بالمثل لا يتحقق هنا؛ ومن ثم فإن انتهاك أحد الطرفين القانونَ لا يسوغ انتهاكه من الطرف الآخر. فانتهاك المبدأ من طرف واحد لا يُعفي الخصوم والأطراف الأخرى من التزاماتهم القانونية؛ لأن تسويغ ذلك يعني إلغاء مبدأ التمييز بين المدنيين وغيرهم.
  • الثاني: أن استخدام أحد الطرفين الدروعَ البشرية لا يبيح تعمّد استهداف الدروع أولًا. والواقع أن ثمة تعمدًا لقتل المدنيين (أو ما يقع موقع العمد)؛ لأن العمل العسكري يجري في مناطق سكانية كثيفة، ويقع على أهداف ومنشآت مدنية وبأسلحة فتاكة ذات تدمير شامل، ولأجل هذا لا يمكن الحديث هنا عن الضحايا المدنيين في غزة بوصفهم “آثارًا جانبية”، كما أوضحت في مقال سابق خصصته لهذا المفهوم.

ثم إن استخدام الدروع البشرية المزعوم لا يُعفي من مراعاة مبدأ “التناسب” بين الهدف العسكري وبين حق الدفاع عن النفس، لو سلمنا أن لإسرائيل هذا الحق، والأمر ليس كذلك، كما أوضحت في مقال سابق عن “حق الدفاع عن النفس”. فلا يمكن تسويغ قتل نحو 22 ألفًا، وجرح عشرات الآلاف، كثير منها سبّبت عاهات دائمة، وتدمير مناطق سكانية شاسعة، بل نحن أمام جرائم حرب واضحة.

الأمر الثالث: المسؤولية المشتركة

على فرض استخدام حماس دروعًا بشرية في هذه الحرب، فإن الاتفاقيات القانونية تتحدث عن مسؤوليات مشتركة في الحرب، فثمة مادتان في البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف وتحديدًا المادتَين: 57-58. تقرر الأولى منهما “احتياطات المهاجم في قرار الاستهداف”، بينما تحدد الثانية “التزامات المدافع بإبعاد المدنيين والأهداف المدنية من جوار الاعتراضات العسكرية”، وكلتا المادتين تحددان معايير الاستهداف أو قرارات العمليات القتالية للامتثال للمبدأ الأساسي هنا، وهو التمييز بين المدنيين والعسكريين، وهو واجب على الأطراف المتحاربة، وفي الأوقات كافةً.

وبناءً على هذا لا يمكن اختزال المسألة في إلقاء اللوم على من اتخذ الدروع البشرية المزعومة من دون مساءلة أفعال الطرف العسكري الذي قتل نحو 22 ألفًا من المدنيين؛ بذريعة كونهم دروعًا بشرية.

صحيح أنه يجب على الجميع أن يتجنب وضع أهداف عسكرية داخل مناطق مكتظة بالسكان أو بالقرب منها، ولكن يجب على الطرف المهاجم -أيضًا- اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين والأهداف المدنية الواقعة تحت سيطرة الطرف الآخر من مخاطر العمليات العسكرية، وهو ما لم تقم به إسرائيل على الإطلاق.

تشمل تلك الاحتياطات -مثلًا- إخلاء المدنيين، وتنسيق خدمات الطوارئ، واتخاذ تدابير الدفاع المدني أو إذاعة تحذيرات أو ما شابه.

وقد اكتفت إسرائيل بالتذرع بإرسال رسائل تحذيرية تطلب تهجير الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه قطعت الإنترنت والكهرباء ومنعت المساعدات الإنسانية والطبية ولم توفر طرقًا آمنة ولا ملاجئ ولا خِدمات طوارئ؛ بالرغم من كون كل ذلك واجبًا عليها بوصفها قوة احتلال أولًا قبل أن توجبه قوانين الحرب!

وفي نهاية مقالتنا إذا كان لديك أي اقتراحات أو ملاحظات حول الخبر، فلا تتردد في مرسلتنا، فنحن نقدر تعليقاتكم ونسعى جاهدين لتلبية احتياجاتكم وتطوير الموقع بما يتناسب مع تطلعاتكم ونشكرًكم علي زيارتكم لنا، ونتمنى لكم قضاء وقت ممتع ومفيد معنا.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: لا يمكنك نسخ المقالة