ما علاقة توجه فولكسفاغن لغلق مصانع ألمانيا باستغلال عمالة وثروات دول أخرى؟

ما علاقة توجه فولكسفاغن لغلق مصانع ألمانيا باستغلال عمالة وثروات دول أخرى؟

البوكس نيوز – رياضة – نتحدث اليوم حول ما علاقة توجه فولكسفاغن لغلق مصانع ألمانيا باستغلال عمالة وثروات دول أخرى؟ والذي يثير الكثير من الاهتمام والجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكما سنتناول بالتفصيل حول ما علاقة توجه فولكسفاغن لغلق مصانع ألمانيا باستغلال عمالة وثروات دول أخرى؟، وتعد هذا المقالة جزءًا من سلسلة المقالات التي ينشرها البوكس نيوز بشكل عام.

في ظل ارتفاع التكاليف الصناعية في ألمانيا، أعلنت شركة فولكسفاغن عن توجهها إلى إغلاق بعض مصانعها في ألمانيا ونقل جزء من عملياتها الإنتاجية إلى دول نامية مثل المكسيك والبرازيل والصين. هذا القرار يتماشى مع استراتيجية تهدف إلى تقليل التكاليف التشغيلية، وإنقاذ مستقبل الشركة في ظل اشتداد المنافسة مع الشركات الأسيوية.

 تقليص العمالة في ألمانيا والتعويل على العمالة الرخيصة في البلدان النامية

في عام 2022، دفع أصحاب العمل في القطاع الصناعي وقطاع الخدمات في ألمانيا متوسط 39.50 يورو عن كل ساعة عمل. وفقًا لتقارير المكتب الفيدرالي للإحصاءات الألماني، تحتل ألمانيا المرتبة السابعة من حيث تكاليف العمالة في الاتحاد الأوروبي) منذ عام 2019. لذلك يعتبر تدني الأجور إحدى الوسائل الرئيسية التي تستفيد منها فولكسفاجن لخفض أسعار التكلفة حيث توجهت منذ عقود إلى دول مثل البرازيل والمكسيكك والصين مستفيدة من العمالة الرخيصة ومن ضعف النقابات العمالية تحت حكم أنظمة سياسية تسلطية.

في نهاية السنة المالية لعام 2023، كان لدى مجموعة فولكسفاجن ما مجموعه 678,825 موظفًا حول العالم، ولكن ليس كلهم سواسية في حسابات الشركة. فمثلا  يبلغ  أجر ساعة العمل في مصانع فولكسفاجن في ألمانيا  بعد خصم المساهمة الاجتماعية والضرائب ما يصل إلى 30 يورو. في الوقت الذي  يبلغ فيه  متوسط أجور التصنيع الى حدود 2016  في المكسيك  حوالي 2.10  دولار في الساعة وفي الصين 3.60  وفي البرازيل 2.7 دولار أمريكي وفقا للتقارير.

الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا ونائبه جيرالدو ألكمين في زيارة مصنع سيارات فولكسفاغن في مدينة ساو باولو ، صور جيتي

 

 

ففي عام 2020، تم تنظيم احتجاجات في مصانع فولكسفاجن ببويبلا المكسيكية بسبب تدني الأجور وسوء ظروف العمل. عمال فولكسفاجن عانوا من عدة مشكلات، أبرزها قمع حقوقهم النقابية وحرمانهم من حرية التنظيم والمفاوضة الجماعية. في بعض الحالات، كانت الإدارة تدعم نقابات موالية للشركة مما حال دون تحقيق اتفاقيات عادلة للعمال بشأن الأجور وظروف العمل. هذا أدى إلى إحباط العمال ودفعهم لتنظيم أنفسهم في نقابات مستقلة، لكنهم واجهوا مقاومة وضغوطًا من إدارة الشركة التي حاولت المحافظة على الوضع القائم.

وفي يونيو 2024، وافقت المكسيك على طلب رسمي من الولايات المتحدة لمراجعة مزاعم انتهاكات حقوق العمال في منشآت فولكسفاجن في ولاية بويبلا. جاء الطلب بموجب اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA). طلب ممثل التجارة الأمريكي من المكسيك التحقيق في مزاعم تتعلق بحرمان العمال في مصنع فولكسفاجن في كواتلانسينغو من حقوقهم في حرية التنظيم والمفاوضة الجماعية.

الفارق الهائل في الأجور بين ألمانيا والمكسيك يجعل من الواضح لماذا تنقل فولكسفاجن عملياتها إلى الخارج. ففي المكسيك، يمكن للشركة تشغيل آلاف العمال بتكاليف أقل بكثير، مما يعزز ربحيتها. بالإضافة إلى ذلك، فإن تحويل الإنتاج إلى دول مثل المكسيك يتيح لفولكسفاجن الوصول إلى الأسواق الكبيرة مثل الولايات المتحدة عبر اتفاقيات تجارة حرة مثل USMCA، مما يساهم في زيادة الصادرات إلى تلك الأسواق بتكاليف أقل.

موظفي شركة فولكسفاغن المكسيك أثناء إجراء الفحص النهائي على سيارة فولكسفاغن بيتل في مصنع الشركة في بويبلا، المكسيك. يشتهر هذا المصنع بإنتاج سيارات فولكسفاغن بيتل الكلاسيكية، والتي تم إنتاجها في المكسيك لعدة عقود. يعتبر هذا الفحص النهائي خطوة حاسمة للتأكد من جودة السيارة قبل تسليمها إلى العملاء.

 العمالة القسرية ضد الإيغور في الصين

تواجه فولكسفاجن في الصين، انتقادات شديدة بسبب تورطها في العمالة القسرية لأقلية الإيغور في إقليم شينجيانغ. تشير تقارير من هيومن رايتس ووتش وموقع العاصفة نيوز إلى أن مصانع فولكسفاجن في شينجيانغ قد تكون تستفيد من السياسات القمعية التي تفرضها الحكومة الصينية على الأقليات المسلمة هناك. يتم إجبار العمال من الإيغور على العمل في مصانع تحت ظروف قاسية تصل حد منعه من الأكل والنوم في تعارض تام مع حقوق الإنسان والعمال.

يشير تقرير هيومن رايتس ووتش إلى أن العديد من الشركات الكبرى، بما في ذلك فولكسفاجن، تستفيد من هذا النوع من العمالة القسرية دون اتخاذ إجراءات كافية للتأكد من أن عملياتها في تلك المناطق متوافقة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. على الرغم من الضغوط الدولية على الشركة لسحب عملياتها من شينجيانغ، إلا أن فولكسفاجن تستمر في العمل هناك بحجة عدم وجود أدلة كافية على حدوث انتهاكات في مصانعها.

الإعفاءات الضريبية: مكسب آخر لفولكسفاجن على حساب المجتمعات الأخرى

الإعفاءات الضريبية تمثل جزءًا رئيسيًا من استراتيجية فولكسفاجن في الدول النامية. في المكسيك، تستفيد الشركة من برنامج IMMEX، الذي يمنح إعفاءات ضريبية تصل إلى 16% على المواد المستوردة المستخدمة في الإنتاج والتي تُصدَّر لاحقًا. هذا البرنامج يمكّن فولكسفاجن من تقليل التكاليف التشغيلية بشكل كبير مقارنة بما كانت ستدفعه في ألمانيا، حيث تصل الضرائب إلى 30-35% على الأرباح،

تشير تقارير متعددة إلى أن شركة فولكسفاغن استفادت من حوافز ضريبية كبيرة في البرازيل، وخاصة خلال فترة الحكم العسكري في السبعينيات والثمانينيات. حصلت الشركة على إعفاءات ضريبية تُقدر بـ 700 مليون ريال برازيلي (حوالي 140 مليون دولار أمريكي) لاستخدامها في مشاريع زراعية في الأمازون، مثل تحويل الغابات إلى أراضي للرعي. ومع ذلك، تسببت هذه المشاريع في أضرار بيئية واستغلال للموارد الطبيعية، مما أدى إلى تحقيقات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان.

على الرغم من أن التسهيلات  والإعفاءات الضريبية  تحت مظلة الاستثمار الأجنبي توفر فرص عمل وتزيد من الاستثمارات الأجنبية في الدول النامية، إلا أنها تؤدي إلى خسائر كبيرة في الإيرادات الضريبية للحكومات المحلية، كما أشار تقرير للبنك الدولي إلى أن استخدام الشركات متعددة الجنسيات الإعفاءات الضريبية والحوافز المالية التي تقدمها الدول النامية لجذب الاستثمارات، غالبًا ما  لا يقود إلى تحقيق الأهداف التنموية المطلوبة مثل خلق فرص عمل أو تعزيز البنية التحتية. كما يوضح التقرير الآثار السلبية لهذه الحوافز على الإيرادات الحكومية، مما يقلل من قدرة الحكومات على تمويل مشاريع النمو مثل الاستثمار في البنية التحتية ورأس المال البشري​.

 استغلال الموارد الطبيعية

إلى جانب الإعفاءات الضريبية، تعتمد فولكسفاجن على استغلال الموارد الطبيعية المحلية بأسعار زهيدة. على سبيل المثال، في البرازيل، يتم استغلال الموارد المعدنية والطبيعية المستخدمة في تصنيع السيارات بأسعار أقل بكثير مقارنة بالدول المتقدمة. وهو ما يساهم بشكل كبير في تقليل تكاليف الإنتاج وزيادة الأرباح، ولكن على حساب المجتمعات المحلية والبيئة.

وفقًا لتقرير من غرينبيس، فإن عمليات استخراج الموارد تؤدي إلى تدهور بيئي كبير في بعض المناطق المحيطة بمصانع فولكسفاجن في البرازيل. هناك تقارير عن تلوث المياه وتدهور البيئة الطبيعية بسبب عمليات استخراج المعادن والمواد المستخدمة في الإنتاج. هذا الاستغلال للموارد المحلية لا يُنتج فوائد تذكر للمجتمعات المحلية التي غالبًا ما تتحمل أضرارًا بيئية كبيرة مثل تدمير الموائل الطبيعية وتلويث المياه والتربة والتي تبقى دون تعويض.

كما بلغت كمية المياه التي استهلكتها مجموعة فولكسفاجن في إنتاج السيارات حول العالم عام 2023،  37.4 مليون متر مكعب، وهي كمية تكفي لتلبية احتياجات حوالي 2,049,315 شخصًا في تشاد لمدة عام، بناءً على متوسط استهلاك المياه اليومي للفرد في تشاد (حوالي 50 لترًا في اليوم).

أما فيما يتعلق بمادة الألومنيوم فقد استهلكت فولكسفاغن عام 2023 حوالي 800,000 طن من الألومنيوم في عمليات التصنيع الخاصة بالشركة، وهي تقوم بتوريده من مناجم الألومنيوم الخام أو البوكسيت من دول على غرار البرازيل واستراليا وغينيا التي  لديها أكبر احتياطي من البوكسيت في العالم لكنها تواجه مشاكل بيئية واجتماعية بسبب عمليات الاستخراج.

التأثيرات الاجتماعية والبيئية للاستغلال

لا يتوقف استغلال فولكسفاجن على العمالة الرخيصة والإعفاءات الضريبية، بل يمتد أيضًا إلى التأثيرات الاجتماعية والبيئية على المجتمعات المحلية. في المكسيك، أدت عمليات الإنتاج الواسعة إلى تلوث الهواء والمياه في المناطق المحيطة بمصانع فولكسفاجن في بويبلا. تقارير محلية من روترز  تشير إلى ارتفاع معدلات الأمراض التنفسية بين السكان الذين يعيشون بالقرب من المصانع. كما أن المجتمعات المحلية نظمت احتجاجات متكررة ضد الشركة بسبب عدم التزامها بمعايير البيئة المحلية.

في 7 أغسطس 2003 ، قامت قوات مكافحة الشغب بتدمير مخيم أقامته حركة العمال بلا مأوى (MTST) بعد إبعادهم من أراضي مصنع فولكسفاغن في ساو برناردو دو كامبو، جنوب ساو باولو بحوالي 25 كيلومترًا. المخيم كان يضم حوالي 4000 عائلة، وقد تم إخلاؤه بسلام بعد صدور قرار قضائي بإنهاء وجودهم هناك. كانت هذه الحادثة جزءًا من نزاع أكبر حول السكن وحقوق العمال الفقراء في البرازيل.

 

في البرازيل، تواجه فولكسفاجن دعاوى قضائية متعددة بسبب انتهاكات بيئية. فعمليات استخراج الموارد المعدنية تؤدي إلى تدمير الغابات والأراضي التي يعتمد عليها السكان المحليون في معيشتهم. حيث أشارت تقارير إلى أن هذه الانتهاكات تساهم في زيادة الفقر في المناطق الريفية وتعزز من عدم المساواة الاقتصادية بين الشركات الكبيرة والسكان المحليين.

وقد أكدت دراسة نشرتها مؤسسة الغابات المطيرة النرويجية ارتباط  شركات صناعة السيارات مثل فولكس فاجن، وبي إم دبليو، ودايملر، وبي إس إيه، ورينو بإزالة الغابات المطيرة في الأمازون. وقالت الدراسة إن الشركات ربما تستخدم الجلود من الماشية التي يتم تربيتها في الأراضي التي تم إزالة الغابات منها بشكل غير قانوني في صناعة مقاعدها.

تحقيقات سابقة ودعاوى قضائية

علاوة على التأثيرات البيئية والاجتماعية، واجهت فولكسفاجن عددًا من التحقيقات والدعاوى القضائية المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان في الماضي. في البرازيل، رفعت الحكومة دعوى قضائية ضد الشركة بسبب استخدامها للعمالة القسرية خلال فترة الديكتاتورية العسكرية (1964-1985). وفقًا لتقرير نشرته The Guardian، أجبرت آلاف العمال على العمل في مزارع فولكسفاجن تحت ظروف غير إنسانية، حيث تم تقييد حركتهم ومنعهم من مغادرة المزارع. هذه القضايا تسلط الضوء على الاستراتيجيات الاستغلالية التي تعتمد عليها الشركات الكبرى لزيادة أرباحها.

بينما تسعى فولكسفاجن إلى غلق وحدات انتاجية في ألمانيا وإنهاء برنامج الأمن الوظيفي لديها الذي انطلق منذ 1994،  بسبب ارتفاع كلفة الأجور، تتحمل الدول النامية على غرار المكسيك والبرازيل وأقلية الإيغور في الصين العبء الأكبر لهذه الاستراتيجية التي تقوم على استغلال العمالة الرخيصة، الاستفادة من الإعفاءات الضريبية، واستغلال الموارد الطبيعية بأسعار زهيدة، لتحقق الشركة أرباحًا كبيرة غير مبالية بحقوق الإنسان والبيئة في دول لا تحمي بذات الصرامة حقوق الإنسان ولا تكافح قوانينها بجدية لمجابهة التغير المناخي واستغلال الطبيعة.

 

وفي نهاية مقالتنا إذا كان لديك أي اقتراحات أو ملاحظات حول الخبر، فلا تتردد في مرسلتنا، فنحن نقدر تعليقاتكم ونسعى جاهدين لتلبية احتياجاتكم وتطوير الموقع بما يتناسب مع تطلعاتكم ونشكرًكم علي زيارتكم لنا، ونتمنى لكم قضاء وقت ممتع ومفيد معنا.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: لا يمكنك نسخ المقالة