مدينة عدن بين العرف والقانون

مدينة عدن بين العرف والقانون

البوكس نيوز – رياضة – نتحدث اليوم حول مدينة عدن بين العرف والقانون والذي يثير الكثير من الاهتمام والجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكما سنتناول بالتفصيل حول مدينة عدن بين العرف والقانون، وتعد هذا المقالة جزءًا من سلسلة المقالات التي ينشرها البوكس نيوز بشكل عام.

 

بقلم: د. أمل صالح سعد راجح

تعد القيم موجهات السلوك، كما أنها مقاييس نحكم بها على الأفكار والأشخاص والاشياء، والاعمال والموضوعات والمواقف الفردية والجماعية. لذا فالقيم تنمو مع نمو الانسان يكتسبها بفعل التنشئة الاجتماعية، وكلما تدرج الانسان في العمر والعلم والمعرفة نمت قيم جديدة وانسلخت عنه أخرى، فمن كان في القرى والقفار والوديان يستدمج قيما تختلف عن الاشخاص القاطنون في المدن والحواضر.
المدينة لها طابعها الخاص، فهي مركز سكاني دائم ونسبي وعالي التنظيم تشمل حكومات وقطاعات إدارية خاصة محكومة بنظم وقوانين ولوائح، كما ” أشار علم الاجتماع إلى أن المدينة عبارة عن تنظيم اجتماعي يتضمن أنماطًا اجتماعية داخل نظام ايكولوجي محدد، كما ارتبط مفهوم المدينة بتنوع نمط الحياة المتبع، إذ يختلف أسلوب حياة المجتمع الحضري اختلافًا كبيرًا عن أسلوب حياة المجتمع الريفي، وهذا ما يميز المدن عن الأرياف والقرى
وعليه يعد المجتمع اليمني أحد المجتمعات الرعوية الزراعية، تحكمه بنية قبلية متنوعة العادات والتقاليد، ويشكل العرف أهم مصادر التشريع في أغلب القبائل التي يتكون منها المجتمع القبلي اليمني، ونادرا ما يلجأ افرادها الى القضاء، حيث يشكل الصلح والعفو أهم بنود حل المشكلات التي تواجه المجتمع القبلي. بالمقابل تشكل عواصم المدن كصنعاء وعدن وتعز والمكلا وغيرها حواضر المدن، حيث عرفت نمط التحضر كتوفر طرق المواصلات وخطوط الاتصالات والمؤسسات والمقرات الحكومية وكذا القطاعات الاقتصادية والخدمية والتعليمية.
ومدينة عدن تعد رائدة المدن في التحضر والتمدن، فقد عرفت طرق المواصلات وخطوط الاتصالات، ووجود المقار والمراكز الحكومية، والأندية الثقافية والأنشطة الرياضية وانتشار التعليم وتوفر المراكز الصحية ووجود المؤسسات القضائية من نيابة ومحاكم ومراكز الشرطة في مختلف المديريات، واكتسب سكانها قيما تتوافق والبنية الحضرية للمدينة، عن طريق التنشئة الاجتماعية للاسرة أو المدرسة، القائمة على المشاركة والتعاون ضمن العلاقات الثانوية المعتمدة على المنفعة المتبادلة وتحقيق الصالح العام، بعكس قيم الريف القائمة على منظومة العلاقات الأولية التي تنطلق من القرابة وعلاقات النسب أساسا لإقامة هذه العلاقات. بموجب ذلك رعت المدينة قيم الاعتراف بالقانون وسيادة المصلحة العامة واحترام الأنظمة باعتبارها قيم أساسية للمحافظة على كينونة المدينة ووجودها، فلم يلجأ افرادها إلى صيغة العرف المتعارف عليها في الريف، أو القبيلة؛ لحل منازعاتهم، انما دأب أهل المدينة لحل مشاكلهم إلى التوجه الى مراكز الشرطة والقضاء والنيابة وفق الآليات المتبعة في تلك المؤسسات لحل مختلف القضايا العالقة بين سكان المدينة.
وما بعد التسعينيات تعرضت عدن لموجه شديدة من الهجرة من مختلف المناطق والمحافظات، طلبا للعمل والتعليم والسكن والانتفاع من الخدمات المتوفرة فيها، مما أدى لاستقرار العديد من الشرائح والفئات الاجتماعية التي تحمل في ثناياها ثقافات تختلف كليًا عن ثقافة المدينة، من هذه الفئات من انصهرت مع واقع المدينة وتمثلت بثقافتها، ومنها من حافظت على ثقافتها ولكن سايرت الأنظمة التي تسير عليها المدينة. كما تعرضت المدينة لحروب ونزاعات وصراعات عديدة ولكن ظلت على الرغم من ذلك تحافظ على مدينتها وتحضرها.
كما عانت المدينة من جراء حرب عام 2015م، تغيرات عديدة ان كان على المستوى الفردي أو على مستوى البنية المؤسسية للمدينة، فقد تعرضت اغلب مؤسساتها للتدمير وإيقاف العمل فيها أو اغلاقها، وانسحبت هذه التغيرات ايضا على المنظومة القيمية للأفراد في تبني لكثير من القيم الانتهازية والوصولية وحب الذات والمنفعة والانانية.
كما أثر على المدينة بدرجة أساسية غياب قيادة سياسية جامعة، واعية لكينونة المدينة، تعمل على تعزيز قيم الحداثة والتطوير والمحافظة على ديمومة العمل المؤسسي فيها. لقد أدى غياب هذه القيادة السياسية التي تلبي احتياجات المدينة وتساعد على التطوير المستمر؛ إلى اختلالات عديدة في الجانب الخدمي والمؤسسي والقضائي، منها ظهور صيغ وانماط عديدة لحل المنازعات والاختلالات كالعرف والصلح دون اللجوء للقضاء للبث فيها، حتى ان بث القضاء بالحكم يتم فرض العرف والصلح والتنازل حتى يتم فرض صورة اخرى في واقع المدينة مغايرة تماما عما تأسست عليه المدينة من الاحتكام للقانون واللوائح والتقيد بقيم المجتمع المدني.
لقد تم استدماج قيم القبيلة في المدينة بدلا من ان تستدمج قيم المدينة من قبل الأفراد الوافدين والمهاجرين إليها، لقد حمل القادمون من القبائل والمجتمعات الريفية قيمهم وعاداتهم ونشروها في المدينة وأصبحت مدينة عدن مرتعا للسلاح والنهب؛ حيث تم الاستيلاء على أراضيها، وفرض البناء العشوائي في احيائها، كما وجد في المدينة من يحملون السلاح، واحيانا يتم اشهاره في وجوه الآخرين دون الاعتبار لخصوصية المدينة، وهناك من استولوا على المتنفسات والأماكن العامة والشواطى، واصبح كل ما في المدينة مغنم، وكأن مدينة عدن قبيلة تم الاستيلاء عليها من قبل القبائل الأخرى وها هي الآن تقسم خيراتها على المنتصرين في المعركة.
إلى جانب ذلك ظهور فئات ذات نمط استهلاكي ترفي في اعداد الحفلات واختيار القاعات الفخمة وبأسعار مرتفعة، كما ظهرت الفلل والقصور والمولات التجارية في كل مديريات المدينة، وشكل زواج القاصرات ظاهرة ملفتة للنظر في المدينة. كما شكل تغيير معالم المدينة وتشويه ومحو آثارها علامة بارزة وذات دلالة خطيرة لإفراغ المدينة من تاريخها وموروثها الحضاري.
وعليه، فقد تعرضت مدنية مدينة عدن للتشويه المتعمد أو غير المتعمد، نتيجة للحروب المتكررة والصراعات، ونتيجة للوافدين والمهاجرين إليها، وتم افراغ مضامينها الحداثية واحدة تلو الأخرى ولا زالت هذه العملية تجري على قدم وساق حتى تتحول المدينة الى صورة مشوهة لا هي مدينة حضرية ولا هي مجتمع قبلي.
ان الحفاظ على النمط الحضري لمدينة عدن مسؤولية الجميع، بدءا من الاسرة وانتهاء بالدولة، فالجميع، يقع على عاتقه الحفاظ على مؤسساتها وانظمتها الاجتماعية، لأنها هي الحاضنة الأساسية لمختلف أنماط الحياة فيها، فتعدد أساليب الحياة والحفاظ على هذا التعدد يتيح لكل الافراد وفق توجهاتهم المختلفة وانتماءاتهم وثقافاتهم الفرعية، العيش الحضاري المؤسس على التعاون المشترك، انها تصهرهم في بوتقة واحدة فلا يوجد تمييز إلا بما لديه من الكفاءة والخبرة والمهارة فلا يتميز بلونه او قبيلته أو بما يملك من أموال او عقارات. الافراد فيها يحتكمون للقانون في تسيير معاملاتهم وحل منازعاتهم. انها مجتمع جامع لكل الثقافات معززة روح الحضارة والثقافة والمدنية.

د. أمل صالح سعد راجح
استاذ مشارك..قسم علم الاجتماع. كلية الآداب. جامعة عدن

وفي نهاية مقالتنا إذا كان لديك أي اقتراحات أو ملاحظات حول الخبر، فلا تتردد في مرسلتنا، فنحن نقدر تعليقاتكم ونسعى جاهدين لتلبية احتياجاتكم وتطوير الموقع بما يتناسب مع تطلعاتكم ونشكرًكم علي زيارتكم لنا، ونتمنى لكم قضاء وقت ممتع ومفيد معنا.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: لا يمكنك نسخ المقالة