شهادات وذكريات.. يرويها مصطفى بكري: اللقاء الأول مع مبارك
البوكس نيوز – نتحدث اليوم حول شهادات وذكريات.. يرويها مصطفى بكري: اللقاء الأول مع مبارك والذي يثير الكثير من الاهتمام والجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكما سنتناول بالتفصيل حول شهادات وذكريات.. يرويها مصطفى بكري: اللقاء الأول مع مبارك، وتعد هذا المقالة جزءًا من سلسلة المقالات التي ينشرها البوكس نيوز بشكل عام.
هذه ليست قصة حياة، بل شهادة حية على مرحلة تاريخية مهمة، عشتُ فصولها، انتصاراتها وانكساراتها، حلوها ومرها، اقتربت من صناع هذه الأحداث أحيانًا، وكنت ضحية لعنفوانهم في أحيان أخرى، معارك عديدة دخلتها، بعضها أودى بي إلى السجون، لم أنكسر، ولم أتراجع عن ثوابتي، وقناعاتي.
أروي هذه الشهادات، بصدق وموضوعية، بعض شهودها أحياء، والبعض رحل إلى الدار الآخرة، لكن التاريخ ووقائعه لا تُنسى، ولا يمكن القفز عليها، وتزوير أحداثها.
1) العنف والإرهاب في شارع أحمد عصمت
كانت الأيام تمضى سريعًا، لم أعرف الطريق إلى الراحة، كنت أخصص كل وقتي للعمل، اذهب إلى مجلة المصور فى السابعة صباحًا، لم يكن هناك سوى عمال النظافة، وأغادر مكتبي فى وقت متأخر من المساء، وكنت زبونًا دائمًا لمحلات الطعام التي تقع خلف مبنى المؤسسة، فحتى هذا الوقت لم أكن قد ارتبطت بالزواج، بينما الأسرة، الأم والأب والأشقاء كانوا يقيمون فى بلدتي “المعنى” بقنا، وكانت زياراتي إلى أبناء عمى محمد بكرى الذين يقطنون فى بولاق الدكرور لا تتوقف، فقد أقام عمى رحمة الله عليه فى شارع محمود سعد البدهلي، منذ سنوات طوال، بعد أن ترك بلدتنا بحثًا عن الرزق، بنى بيتًا فى بولاق، وكان من أوائل من أقاموا فى هذه المنطقة التي اكتظت بالصعايدة من قنا وسوهاج وأسيوط.
وفي هذه الفترة وتحديدًا بعد منتصف الثمانينات تصاعدت أعمال العنف في البلاد مجددًا، وعادت الجماعة الإسلامية لتصعد على السطح من جديد، وذلك بعد المواجهات العنيفة التي جرت فى أعقاب اغتيال الرئيس السادات في السادس من أكتوبر1981، تجولت في العديد من المحافظات لمتابعة الأحداث، ومناقشة بعض رموز هذه الجماعة والقيادات الأمنية.
كان شارع أحمد عصمت بمنطقة عين شمس أحد أهم أوكار هذه الجماعة والجماعات الأخرى المتطرفة، لقد فرضوا سطوتهم على المواطنين، وأصبح هذا الشارع وكأنه منطقة معزولة، يسرحون فيها كيفا شاءوا، احتلوا مساجدها، وعينوا الخطباء من بينهم، فرضوا الحجاب على كل النساء، أصبحوا يعاقبون من يرونهم خارجين عن الشريعة وأحكامها.
اقترحت على الأستاذ مكرم محمد أحمد، أن أذهب إلى هناك ومعي أحد مصوري المجلة، نتخفى، ولا نظهر هويتنا، وافق الأستاذ مكرم على الفور، إلا أنه أوصانا بالحذر، مضينا إلى هناك، تحسسنا الخطى، كانت البداية سؤال إلى بعض العارفين في هذه المنطقة، لماذا تنتشر الجماعات المتطرفة في هذه المنطقة تحديدًا؟ وكانت الإجابة تتلخص في الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردية، التي يعيشها المواطنون في هذه المنطقة، كانت نسبة الفقر وسوء الخدمات عالية، كما أن هذه المنطقة ضمت الكثيرين من أبناء الصعيد الذين جاءوا يبحثون عن لقمة العيش في مثل هذه المناطق.
مضيت في شارع أحمد عصمت، أسجل ملاحظاتي، دخلت المساجد المحيطة التي يعتلى عناصر الجماعة منابرها، استمعت إلى خطاباتهم التحريضية، مضيت إلى تجمعاتهم اليومية، اقتربت من قادتهم واستمعت إلى فتاويهم، قام المصور «شيرين مصطفى» بالتصوير خلسة للكثير من هذه المشاهد، قضيت أكثر من أسبوع، أتابع الأحداث، واستمع إلى الروايات، كيف نشأوا ومن أين جاءوا، ولماذا أنطوى الناس تحت رايتهم، يأتمرون بأوامرهم، ويتقبلون عقاب الجماعة للبعض منهم.
انتهيت من صياغة الموضوع الذي احتل ست صفحات من المجلة، وكان عنوانًا للغلاف، لم يكن الأستاذ مكرم، يظهر أي انطباع بالرضى من عدمه، كان يقرأ الموضوع، ويوافق أو لا يوافق، ثم يعطى تعليماته، وأشهد أنه لم يمنع لي طيلة عملي بالمجلة موضوعًا واحدًا، قد تكون له ملاحظات، على بعض الموضوعات ولكنه كان دومًا لديه مبرراته، إذا ما كان هذا الموضوع متعلق بقضايا أمنية أو غير ذلك.
بعد نشر الموضوع تلقيت إشادات كثيرة من شخصيات مرموقة صحفيًا وأمنيًا وسياسيًا، مضت الأيام، وفوجئت بالأستاذ مكرم محمد أحمد، يطلبني على رقم تليفون بالشقة التي كنت أقيم فيها أنا وشقيقي محمود بكري، وقال لي: الرئيس مبارك اتصل بي، وهو معجب بموضوعك المنشور بالمجلة عن العنف والإرهاب في شارع أحمد عصمت، وطلب مني أن أمنحك مكافأة قدرها ألف جنيه، لم أكن سعيدًا بالألف جنيه رغم حاجتي إلى هذا المبلغ، لكن مكمن سعادتي هي في التقدير الأدبي للرئيس تجاه هذا الموضوع الذي بذلت فيه مجهودًا كبيرًا.
قلت للأستاذ مكرم: أنا لا يهمني الألف جنيه يا فندم، أنا يهمنى التقدير الأدبي.
قال: طيب مر علىّ عشان تاخد المكافأة.
قلت له: أنا لا أريد المكافأة، أنا أديت عملي الذي أتقاضى عنه راتب من المصور «120 جنيهًا شهريًا».
أبدي الأستاذ مكرم دهشته، وقال: إزاى ترفض مكافأة الرئيس، تعالى وحنتكلم مع بعض.
قلت له: سأحضر إلى سيادتك، ولكن هذا هو موقفي النهائي، أنا فقط أتقاضى راتبي عن العمل الذي أؤديه.
قال الأستاذ مكرم: إذن أبلغ د.مصطفى الفقي، وقل له هذه الكلام.
كان د.مصطفى الفقي يعمل سكرتيرًا للرئيس للمعلومات فى هذا الوقت وكان صلة الوصل بين الرئيس والكثير من الشخصيات المجتمعية.
وبالفعل اتصلت بالدكتور مصطفى الفقي، الذى رحب بي كثيرًا، وحاول إقناعي بتقاضي المكافأة، إلا أنني اعتذرت له، فقال لي: أنا سأبلغ الرئيس بموقفك ثم صمت وقال: هل تطلب منى شيئًا أخرًا.
قلت له: أطلب أن تبلغ الرئيس إنني أريد أن اجرى معه حوارًا صحفيًا.
قال لي: حوارات الرئيس يجريها مكرم محمد أحمد رئيس التحرير.
قلت له: أنا أريد أجرى الحوار لمجلة كل العرب والتي أعمل أنا مديرًا لمكتبها فى نفس الوقت.
ووعدني د.مصطفى الفقي أنه سيطرح الفكرة على الرئيس مبارك.
2) سر إقالة المشير أبو غزالة من منصب وزير الدفاع
كانت تربطني علاقة قوية بالدكتور ممدوح البلتاجي، الذى كان رئيسًا للهيئة العامة للاستعلامات فى هذا الوقت، وكثيرًا ما كنت أذهب لمقابلته في مبنى الهيئة القريب من ميدان طلعت حرب، كان ودودًا وبسيطًا، وعلى صلة بغالبية الصحفيين والإعلاميين والمراسلين الأجانب.
طلبت موعدًا لمقابلته، حدد لي الموعد على الفور صارحته بأنني أريد إجراء حوار مع الرئيس مبارك، لمجلة كل العرب التي تصدر فى باريس وبحضور رئيس التحرير د.سمير خيرى.
قال لي د.ممدوح: إذن كلم إدارة المجلة فى باريس لإرسال طلب وأنا سأبلغ به السيد صفوت الشريف، وزير الإعلام ونبلغ الرئاسة للنظر فى الأمر.
وبالفعل أخطرت إدارة المجلة التي بعثت طلب المقابلة على الفور.
وبعد فترة من الوقت جاءت الموافقة، وأبلغني صفوت الشريف، أن الرئيس وافق على إجراء الحوار بحضورك وحضور رئيس التحرير وعليك أن تبلغه للحضور على الفور.
وبالفعل جاء د.سمير خيري من باريس، وكان سعيدًا جدًا بالموافقة على الحوار، وفي اليوم المحدد من شهر مايو عام 1989، مضينا إلى قصر العروبة، استقبلنا الرئيس مبارك فى حديقة منزله، كان بسيطًا، متواضعًا، حطم الحواجز بيننا وبينه فى دقائق معدودة.
عندما رآني: صافحني بحميمية، وقال: أنت منين، قلت له: من قنا ضحك الرئيس وقال: أجدع ناس أنا بحب الصعايدة.
كان الحديث قد جرى في شهر مايو من عام1989، وكان ذلك متزامنًا مع صوم شهر رمضان الكريم وكان الصيام باديًا على الرئيس، اعتذر عن عدم قدرته على تقديم واجبات الضيافة وقال على الفور: أنا مستعد للحوار.
تناول الحوار الكثير من القضايا الإقليمية والدولية خاصة ما يتعلق منها بتطورات الوضع على الساحة الفلسطينية والعربية، إلا أن الرئيس فوجئ بسؤالي له عن قرار تغيير المشير أبو غزالة، فسألته عن موجبات هذا التغيير، قال الرئيس دون أن تظهر عليه أي ملامح للغضب من السؤال: هذا قرار طبيعي وإجراء عادى جدًا، لقد أمضى أبو غزالة تسع سنوات كوزير للدفاع، وقد غيرته بقرار، وقلدته وظيفة ثانية، فما هو المثير فى الأمر، تقول لي: أنه قد قيل الكثير فى الإعلام الغربي، وأنا أقول لك: إن بعض الصحف الغربية تعتقد بأن وزير الدفاع فى دول العالم الثالث شخص مؤبد فى موقعه، وهذا غير صحيح، وهم يعتقدون أنه يشكل بذلك «مركز قوة»، وهذا أيضًا عندنا غير صحيح، فأبو غزالة لم يكن مؤبد، ولم يكن مركز قوة، وهو لم يغير بسبب قرار من صندوق النقد الدولي بتخفيض ميزانية القوات المسلحة وخلافه، فالحقيقة أن الصندوق لم يطلب، وأبو غزالة لم يرفض، وكل هذه أقاويل لا سند لها من الحقيقة.
وعندما سألته: ولماذا اختار الرئيس وزيرًا للدفاع بعيدًا عن الخدمة العسكرية، بدلًا للمشير «أبو غزالة» وكنت أقصد الفريق أول يوسف صبري أبو طالب، قال الرئيس: وأنا أسأل بدوري ولماذا اختار الشعب حسنى مبارك، ليكون رئيسًا للدولة، ولماذا اخترت أنا عاطف صدقي ليتولى موقع رئيس الوزراء، وصفوت الشريف كوزير للإعلام، وممدوح البلتاجي كرئيس للهيئة العامة للاستعلامات.. .إلخ
ثم قال: إن كل ذلك له أسبابه ومقوماته، وأضاف: إن القرار فى مصر لا يتخذ بشكل عشوائي، بل هو قائم على أسس عملية ومدروسة، وعلى هذا الأساس اخترت يوسف صبري أبو طالب ليكون وزيرًا للدفاع.
سألته: متى ستتخذ قرار بتعيين نائب للرئيس.
قال: عندما تحين الفرصة سأتخذ القرار المناسب، فالدستور نفسه لا يلزمني بتعيين نائب للرئيس، فى فترة بعينها، ومع ذلك فهذه قضيه أخضعها دائمًا لتقديرات محددة.
سألت الرئيس عن المعارضة فقال: هى جزء من النظام، وأضاف: صحيح أن هناك ملاحظات حول بعض الممارسات، لكن هذه هى ضريبة الديمقراطية، وقال مبارك، يجب أن نتحمل من أجل أن نصل إلى معارضة سليمة وبناءه ولمصلحة الشعب.
وفى هذا الحوار سألت الرئيس مبارك، وماذا عن مستقبل القطاع العام، فقال لي: لن أبيع القطاع العام، فالقطاع العام ركيزة اقتصادية قومية، وبيعه معناه إطلاق العنان لارتفاع الأسعار، وهذا سوف يأتي على حساب الشعب الكادح، وهو أمر مرفوض، والقطاع العام يوفر للمصريين الكثير من السلع، وهو أيضًا أمر من الأهمية بمكان، لأنه يتحكم فى سعر السلعة ولا يتركها للعرض والطلب، وإلى جانب القطاع العام أنا أيضًا مع قطاع خاص قوى وقادر ويمكن أن يلعب دورًا مهمًا فى خطة التنمية وفى توفير احتياجات المجتمع.
وعندما سألته: كيف تم إبلاغك بقرار اختيارك نائبًا لرئيس الجمهورية، قال: لقد أرسل لي الرئيس السادات، والتقينا في استراحته بالقناطر، وجلس معي من السادسة والنصف مساءً حتى التاسعة والنصف، وظل يتحدث معي أنه يريد اختيار نائب للرئيس، وظل يستعرض معي مختلف القيادات العسكرية، وفجأة وجدته يقول لي أنه اختارني نائبًا للرئيس، وأنه لم ير من هو أصلح منى لهذا الموقع.
وقال مبارك: كنت أتوقع أن يتخذ هذا القرار بعد عامين مثلًا، وأضاف: خرجت من الجلسة بعد تناول العشاء مع الرئيس السادات واتجهت إلى المنزل وظللت أفكر طويلًا فى الأمر، ولكن فجأة وجدت نفسى أمام قدري، وأصبحت نائبًا للرئيس.
وأضاف مبارك: بعد اغتيال الرئيس السادات وجدت نفسي مضطرًا لقبول هذا الموقع الذي لا زلت فيه كرئيس للجمهورية، لقد كان اليوم التالي هو موعد اجتماع المكتب السياسي للحزب الوطني الديمقراطي لاختيار الرئيس، ولكنني فوجئت بأن المكتب قد اجتمع في اليوم ذاته في تمام السادسة مساءًا واتخذ قراره، فوجدت نفسي مضطر لقبول هذا الموقع خاصة بعد أن اختارني الشعب، وتلك مسؤولية وأمانة كبرى لأنها مرتبطة بمصير الشعب ومستقبل الوطن.
انتهينا من هذا الحوار الهام، كنت سعيدًا بلقاء الرئيس، والذى نشرته كافة الصحف القومية المصرية الكبرى، الأهرام والأخبار والجمهورية.
وقبل هذا الوقت بفترة كنت قد أجريت حوارا مع الشيخ حافظ سلامة، قائد المقاومة الشعبية فى السويس إبان حصار السويس فى 24اكتوبر1973، وقد أحدث الحوار ردود أفعال عديدة، بعد أن واجهت الشيخ حافظ سلامة، بالعديد من الأسئلة فى رؤيته لكافه قضايا المجتمع ورأيه فى ممارسات العديد من القيادات الإسلامية، وكم كنت سعيدًا عندما فاز هذا الحديث بجائزة نقابة الصحفيين فى هذا الوقت.
أحداث كثيرة ومغامرات متعددة، ترجمتها إلى موضوعات صحفية على صفحات مجلة المصور.
3) دعوة من السفارة الموريتانية بالقاهرة لمقابلة معاوية ولد أحمد
أتذكر في عام 1986 أنني تلقيت دعوة من السفارة الموريتانية بالقاهرة لزيارة موريتانيا وإجراء حوار مع الرئيس الموريتاني معاوية ولد الطايع، سافرت من القاهرة إلى كازبلانكا بالمغرب ومنها إلى نواكشوط، خرجت من مطار العاصمة الموريتانية وظللت أبحث عن محمد ولد محمود مسئول الإعلام الخارجي بوزارة الإعلام، وبعد فترة من الوقت ظهر واصطحبني إلى فندق شنقيط في وسط العاصمة نواكشوط، بدأت أتجول في العاصمة أذهب إلى شاطئ البحر حيث عمليات الصيد الواسعة، أحضر ندوات الشعراء الأدبية.
كنت أشعر بدفء شديد وسط هؤلاء البسطاء الذين يشبهون مجتمعات الصعيد التي انتمى إليها، اصطحبني السفير المصري في موريتانيا في جولة في العاصمة نواكشوط، وتحدث عن العادات والتقاليد التي تحكم هذا المجتمع، وطبيعة العلاقات التي تربط أبنائه.
وفى اليوم السادس لهذه الزيارة جاء إلىّ محمد ولد محمود واصطحبني إلى القصر الجمهوري، وهناك التقيت الرئيس معاوية ولد الطايع، وأجريت معه حديثًا صحفيًا نشرته على صفحات مجلة المصور.
4) ياسر عرفات وعبد الرحمن سوارالذهب وأبو جهاد
كانت زيارتي إلى تونس واللقاء مع ياسر عرفات وبقية القادة الفلسطينية الأخرين لا تتوقف، كنت أتابع الأحداث وأجرى الحوارات فى هذه الفترة التاريخية الدقيقة فى عمر القضية الفلسطينية.
كنت قبل هذه الزيارة قد مضيت أكثر من أسبوعين فى السودان فى أعقاب انتفاضة أبريل 1985 التي أسقطت الرئيس جعفر النميري، وتولى المشير عبد الرحمن سوار الذهب منصب رئيس الجمهورية الانتقالي، حيث أصر ألا يستمر فى منصبه لأكثر من عام، التقيته أكثر من مرة وأجريت معه حوارات حول السودان ومستقبله، كانت زيارتي إلى منازل ومقار القادة السودانيين لا تتوقف، مع الصادق المهدى، زعيم الحزب الاتحادي، كنت ألتقى دومًا د.الجزولي دفع الله، ولام أكول، وقادة الأحزاب السودانية المختلفة ورموز المجتمع السوداني، كنت أتجول فى الخرطوم وأم درمان كأنني أعرف شوارعها ودروبها المختلفة، لقد رافقني فى أحد هذه الزيارات الأستاذ يوسف فكرى، سكرتير تحرير المصور، حيث قضينا أيامًا عديدة، وكنا نرسل بتغطية شاملة لتطورات الأحداث فى السودان.
كانت مجلة المصور هى بيتي ومكاني، خصصت لها كل وقتي وحياتي، كان مكتبي مجاورًا لمكتب سكرتير التحرير يوسف فكرى، وكانت مداولاتي وحواراتي معه لا تتوقف، ربطتني علاقة قوية بالأستاذ فوميل لبيب، مدير التحرير العام ويوسف القعيد، أبرز محرري المجلة ورئيس القسم الأدبي وغيرهم من الأساتذة والزملاء، وكانت لي جلسات وحوارات مع الكاتب الكبير صبري أبو المجد، والكاتبة الكبيرة عائشة صالح، والمبدع مصطفى نبيل، رئيس تحرير مجلة الهلال وسكينة السادات وغيرهم.
أتذكر أن الأستاذ صبري أبو المجد، عاتبني فى أحد الجلسات على حوار كنت قد أجريته مع الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، لمجلة كل العرب والذي قال فيه: لا أعرف من يحكم مصر الآن؟ وهو الحوار الذي أثار ضجة ورد عليه رؤساء تحرير الصحف القومية معاتبين الأستاذ هيكل إلى درجة الهجوم الشخصي قلت له: من حق الآخرين الرد عليه، أليست تلك هى الديمقراطية؟
كانت العلاقة بيني وبين الأستاذ مكرم محمد أحمد، تتميز بالصراحة فى النقاش، كان عصبيًا أحيانًا، لكنه كان يمتلك قلبًا طيبًا، حدث بيني وبينه أكثر من صدام، لكن الصدام الأخير كان حاسمًا، خاصة بعد تدخله فى المقدمة التي كتبتها لموضوع يتعلق بممارسات الجماعة الإسلامية في إحدى محافظات صعيد مصر.
استأذنت من الأستاذة مايسة فريد، مديرة مكتب الأستاذ مكرم لمقابلته، دخلت عليه ممسكًا بمجلة المصور، وقلت له: لماذا لم تأخذ رأيي يا أستاذ مكرم في المقدمة التي كتبتها وألغيت مقدمة موضوعي الخاص بممارسة الجماعة الإسلامية، أكفهر وجه الأستاذ مكرم واشتاط غيظًا، وقال لي بصوت عال: وأنت مين أنت عشان أخد رأيك.
قلت له: أنا صحفي بالمجلة وكاتب الموضوع.
قال بلغة ساخرة: تعالى اقعد مكاني بالمرة، أوعى تفتكر أنك بقيت حاجة بعد حوارك مع الرئيس، المجلة دي هي اللى صنعتك.
قلت له: وحضرتك لك دور كبير، أنت اللي شجعتني وساعدتني، وأنا أبدًا لم أنكر هذا، ولكن المقدمة اللي كتبتها أنا لست راضيًا عنها.
فجأة وجدت الأستاذ مكرم انتفض من مكتبه، وقال لي: أمشى أخرج بره، أنا رئيس التحرير، وأنا حر، دي صلاحياتي، مش أنت اللي حتعلمني.
قلت له: العفو يا أستاذ مكرم، استطيع أن أرد عليك، ولكن احترامًا لك ولمقامك عندي، أنا سأنسحب ولكن تلك هي المرة الأخيرة التي سترى فيها وجهي داخل مجلة المصور، سأترك لك الجمل بما حمل، ولن أدخل هذه الدار طول ما حضرتك فيها.
مضيت من مكتب الأستاذ مكرم، لأكتب طلبًا بإجازة مفتوحة، سلمت الطلب إلى مديرة مكتبه، ومضيت مصممًا ألا أعود مرة أخرى إلى هذا المكان بعد وقائع هذا الصدام.
جاء ذلك، في الحلقات التي ينشرها «الجمهور» يوم الجمعة، من كل أسبوع ويروي خلالها الكاتب والبرلماني مصطفى بكري، شهادته عن أزمات وأحداث كان شاهدًا عليها خلال فترات حكم السادات ومبارك والمشير طنطاوي ومرسي والسيسي.
اقرأ أيضاً«صوته يرن في أذني».. مصطفى بكري يروي موقفًا إنسانيًّا لـ إسماعيل هنية بعد وفاة شقيقه
«النيابة مستقلة وليست لعبة في يد الإخوان».. مصطفى بكري يروي موقفا حاسما للقضاة مع المعزول
محذرًا من العودة للوراء.. مصطفى بكري يروي حكاية «وطن» من 2011 إلى 2013
وفي نهاية مقالتنا إذا كان لديك أي اقتراحات أو ملاحظات حول الخبر، فلا تتردد في مرسلتنا، فنحن نقدر تعليقاتكم ونسعى جاهدين لتلبية احتياجاتكم وتطوير الموقع بما يتناسب مع تطلعاتكم ونشكرًكم علي زيارتكم لنا، ونتمنى لكم قضاء وقت ممتع ومفيد معنا.