أصفهان.. “نصف الدنيا” ومدينة التصنيع العسكري في إيران | الموسوعة – البوكس نيوز
البوكس نيوز – اخبار – نتحدث اليوم حول أصفهان.. “نصف الدنيا” ومدينة التصنيع العسكري في إيران | الموسوعة والذي يثير الكثير من الاهتمام والجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكما سنتناول بالتفصيل حول أصفهان.. “نصف الدنيا” ومدينة التصنيع العسكري في إيران | الموسوعة، وتعد هذا المقالة جزءًا من سلسلة المقالات التي ينشرها البوكس نيوز بشكل عام.
مدينة إيرانية عريقة، تُعد مركزا بارزا في مجال التصنيع العسكري، وتضم مواقع نووية وعسكرية حساسة جعلتها عرضة للاستهداف مثل منشأة نطنز النووية لتخصيب اليورانيوم، وصناعة أجهزة الطرد المركزي، وقاعدة “هشتم شكاري” الجوية التابعة للجيش الإيراني، وقاعدة “نصر” الجوية لصناعة المسيرات التابعة للحرس الثوري الإيراني.
وتعدّ أصفهان ثالث أكبر مدينة في البلاد وأكثرها اكتظاظا بالسكان، وتمثل مركزا صناعيا بارزا وسوقا تجارية نشطة، وهي مركز جذب سياحي، وأحد أهم مواقع التراث العالمي لما تزخر به من معالم تاريخية وتراث غني، حتى اشتُهرت في الثقافة الشعبية الإيرانية بأنها “نصف الدنيا”.
الموقع والجغرافيا
تقع مدينة أصفهان وسط إيران على بعد نحو 340 كيلومترا جنوبي العاصمة طهران، ويحدها من الشمال سمنان وقم والمحافظة الوسطى “مركزي”، ومن الجنوب محافظتا فارس و”كهكيلويه وبوير أحمد”، ومن الشرق مقاطعة خراسان، ومن الجنوب الشرقي مقاطعة يزد، أما من جهة الغرب فتحدها لورستان و”جهار محل وبختياري”.
وتغطي محافظة أصفهان مساحة تبلغ نحو 107 آلاف كيلومتر مربع، وتمتد على الجزء الشرقي من سلسلة جبال زاغروس، ثم تنبسط شرقا على جزء من الصحراء الكبرى، ويبلغ متوسط ارتفاعها نحو 1600 متر عن سطح البحر.
وتتنوع تضاريسها بين السهول والجبال، إذ تحيط بها الجبال من الجنوب والغرب، أما ناحيتا الشمال والشرق فتمتد فيهما سهولها الخصبة. وتقع مدينة أصفهان، التي تمثل مركز المحافظة، في الجزء الأوسط على السهول بمحاذاة نهر زاينده.
المناخ
يتميز مناخ أصفهان على وجه العموم بصيف حار جاف، وشتاء بارد جدا قليل الأمطار، وتتراوح درجات الحرارة السنوية بين 4 درجات مئوية تحت الصفر و37 درجة مئوية، ونادرا ما تقل درجات الحرارة عن 8 درجات تحت الصفر أو تزيد على 40 درجة مئوية.
ويصبح المناخ أكثر اعتدالا كلما اتجهنا غربا قريبا من جبال زاغروس، بحيث يقل تأثير الصحراء الكبرى الواقعة في الشرق. ويعتبر المناخ في المناطق الغربية والجنوبية باردا وشبه رطب، بينما تبدو المنطقة قاحلة على طول حافة الصحراء الوسطى، ويسودها المناخ الصحراوي، أما في واحة أصفهان فتعتبر المنطقة شبه قاحلة، وتتميز بمناخ معتدل وأربعة فصول.
مدينة التصنيع العسكري
تعتبر أصفهان ثالث أكبر مدينة في البلاد وأكثرها اكتظاظا بالسكان، وتمثل مركزا بارزا في مجال التصنيع العسكري، إذ تضم مواقع نووية وعسكرية حساسة مثل منشأة “نطنز” النووية لتخصيب اليورانيوم وصناعة أجهزة الطرد المركزي، وقاعدة “هشتم شكاري” الجوية التابعة للجيش الإيراني، وقاعدة “نصر” الجوية لصناعة المسيرات التابعة للحرس الثوري الإيراني.
وهي مدينة صناعية مركزية، تضم شركات صناعية مهمة مثل: شركة “مباركة” أكبر مصنع للصلب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وشركة صناعة الطائرات الإيرانية “هسا”، وتعتبر كذلك مركزا تجاريا نشطا وموقعا للتراث العالمي.
وتحتل أصفهان موقعا إستراتيجيا مميزا، وقد حازت المدينة لذلك مكانة مرموقة عبر العصور، وكانت واحدة من كبرى وأهم المدن في المنطقة، إذ تقع على مفترق طرق التجارة الرئيسية التي تعبر آسيا الوسطى والتي كانت تعرف بـ”طريق الحرير”.
وتتميز المدينة بأهميتها التاريخية، إذ تبوأت الصدارة على عهد الدولتين السلجوقية والصفوية، وكانت عاصمة البلاد ردحا من الزمن، واعتنى بها الحكام فازدهرت وتألقت حتى أصبحت جنة غنّاء وتحفة معمارية نادرة بقصورها الشاهقة وقلاعها الحصينة ومساجدها العامرة وأسواقها المزدهرة. ويذكر بعض المؤرخين أن المدينة اشتملت في القرن السابع عشر على ما يزيد على 162 مسجدا و48 مدرسة و1802 من المباني التجارية و283 حماما.
وأنجبت المدينة خلقا من أهل العلم والأدب والفن منهم: الفقيه داود بن علي الظاهري، والأديب المؤرخ أبو الفرج الأصفهاني، والفقيه المحدث أبو نُعَيْم الأصفهاني، والعالم الأديب الراغب الأصفهاني، وجامع العلوم النحوي الأصفهاني الباقولي، والأديب المؤرخ العماد الأصفهاني، وآخرون. ويفتخر أهل أصفهان بأنها مسقط رأس الصحابي الجليل سلمان الفارسي.
السكان
بلغ عدد سكان محافظة أصفهان عام 2023 نحو 5.3 ملايين نسمة، في حين بلغ تعداد سكان المدينة في العام نفسه حوالي 2.1 مليون نسمة. وتعتبر أصفهان ثالث أكبر مدينة من حيث عدد السكان في البلاد بعد مدينتي طهران ومشهد.
وتضم المدينة مزيجا من المجموعات العرقية المختلفة التي دخلت واستقرت فيها عبر التاريخ، أبرزها: الفرس واللور والأتراك والأرمن والجورجيون والغجر والعرب. وتعد اللغة الفارسية اللغة الرسمية في المدينة، وتحتفظ الأقليات -مثل الأرمن واليهود والأتراك الجورجيين- بلغاتها الخاصة. وتعتبر الديانة الإسلامية هي السائدة، وتعيش فيها أقليات دينية أخرى كالمسيحيين والزرادشتيين.
التسمية
عُرفت المدينة في عصور ما قبل التاريخ بأسماء عديدة منها “انزان” و”كابيان” و”غابيه”، ثم اشتُهرت باسم “جيّ”، وكان الفرس يطلقون عليها اسم “أسبهان”، فلما جاء العرب إلى المنطقة صارت تُعرف بـ”أصفهان”.
واختُلف في أصل تسمية المدينة بـ”أَصْبَهان”، ويذكر المؤرخون أنها سميت نسبة لأصفهان بن فلوج بن لنطي بن يونان بن يافث. وأما أهل اللغة فيرون أن الاسم مركب من “أسب” بمعنى حصان و”هان” بمعنى بلد، فكأنهم أرادوا بها “بلد الفرسان”، أو أنها مشتقة من كلمة “سپاه”، التي تعني الجيش للدلالة على أنها كانت معقلا للجيوش.
التاريخ
يعود تاريخ أصفهان إلى نحو 500 عام قبل الميلاد عندما غزا الأخمينيون المنطقة، وأسسوا الإمبراطورية الفارسية الأولى، وفي تلك الفترة نشأت الديانة الزردشتية، وكانت المدينة تُعرف باسم “جيّ”، وقد أقام جمع من اليهود بالقرب من جيّ، حيث بنوا محلّة سُميت بـ”اليهودية”، وتذكر بعض كتب التاريخ أن هؤلاء اليهود هم الذين سباهم بُختنَصَّر بعد تخريب بيت المقدس، ثم أسكنهم “جيّ”، وأصبحت “جيّ” و”اليهودية” مدينتين توأمين في المنطقة.
واستطاع الإسكندر الأكبر أن يهزم الملك داريوس الثاني آخر ملوك الأخمينيين عام 334 قبل الميلاد عند جبل “كوه إي صوفيه” جنوبي أصفهان، وخضعت المدينة لحكم المقدونيين حتى سقطت بيد الساسانيين.
وفي عام 643 ميلادي، وقيل 640 ميلادي، فُتحت المدينة بعد تقويض الحكم الساساني، وكان ذلك في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وبدأت المدينة تأخذ الطابع الإسلامي في العمران والفنون ومظاهر الثقافة، وفُتحت المدارس وانتشرت العلوم الإسلامية والإنسانية، وأصبحت أصفهان في عهد الخلفاء الراشدين بمثابة القاعدة الإدارية لبلاد فارس.
وفي العصرين الأموي والعباسي شهدت أصفهان العديد من الثورات والفتن، وساعدت على ذلك التركيبة السكانية التي كانت خليطا من العرب والأتراك والأكراد، وإن كان العنصر الفارسي هو الغالب، وكذلك امتازت المدينة بتعدد الملل والطوائف والأديان والفرق والمذاهب. ومع نهاية القرن العاشر الميلادي ضعفت الخلافة العباسية، وظهرت سلالات محلية بدأت تحكم المنطقة مثل الكاكويين والبويهيين. وفي عام 1030 سيطر السلطان محمود الغزنوي على المدينة.
وبحلول منتصف القرن الحادي عشر سقطت المدينة بيد الدولة السلجوقية بقيادة السلطان “طغرلبك”، وفي عهد السلطان “ملكشاه” السلجوقي أصبحت المدينة عاصمة البلاد، وارتفع شأنها وتوسعت، وانتعش الاقتصاد، وازدهرت العلوم والفنون والعمارة، وأصبحت أصفهان مركزا علميا مشهورا تشد له الرحال.
ولكن المدينة تعرضت للغزو المغولي، الأمر الذي نجم عنه تراجع أهميتها، ولما دخلها تيمورلنك عام 1387م فرض عليها ضرائب فاحشة، فثار الناس وقتلوا بعض الجباة، فعمل تيمورلنك على إبادة جمع كبير من سكان المدينة.
وفي مطلع القرن السادس عشر دخلت تحت الحكم الصفوي، وانتشر فيها المذهب الشيعي. وكان هذا العصر، لا سيما إبان حكم الشاه عباس الأول، “العصر الذهبي” للمدينة، إذ بلغت أوج ازدهارها بعد أن أعاد الشاه بناءها، وأصبحت عاصمة البلاد من جديد في العام 1590، وباتت مركزا حضاريا للعلم والفن والعمارة والأدب، وأصبحت واحدة من أكبر وأجمل المدن في القرن السابع عشر. كما شجع الشاه التجارة، وأعاد توجيه طريق الحرير ليمر منها.
وفي سنة 1722 ميلادية غزا محمود الأفغاني المدينة، وفي غضون ذلك اجتاحتها المجاعة والطاعون، فاستسلمت بعد حصار طويل، وساء حالها وقلّ عدد سكانها. ولما تولى طهماسب قولي خان (نادر شاه) الحكم تمكن من استردادها في عام 1729، لكن تم اغتياله على يد أحد حراسه، واستطاع حينها كريم خان زند أن يبسط هيمنته على المدينة عام 1747.
وفي 1795 استولت السلالة القاجارية على الحكم في المنطقة، ثم أصبح رضا خان ملكا على إيران، وكان أول ملك للدولة البهلوية عام 1925، وفي عهده بدأت المدينة تنمو من جديد، وتم إنشاء الحي الصناعي وترميم العديد من المباني التاريخية. وبعد قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 أصبحت أصفهان إحدى كبرى مدن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأهمها.
استهداف المنشآت النووية والعسكرية
شهدت المدينة جملة من الأحداث والتفجيرات التي استهدفت منشآت ومواقع عسكرية، أهمها:
- هجوم سيبراني على منشأة “نطنز” النووية عام 2009، أدى إلى تعطيل عدد من أجهزة الطرد المركزي.
- تفجير في منشأة “نطنز” عام 2020، استهدف موقعا لتركيب أجهزة الطرد المركزي.
- هجوم استهدف قسم شبكة توزيع الكهرباء في منشأة “نطنز” عام 2021.
- هجوم بالمسيرات على مصنع عسكري تم إحباطه عام 2023.
- هجوم استهدف مدينة أصفهان بمسيرات تم إسقاطها دون وقوع أضرار في أبريل/نيسان 2024.
الاقتصاد
تمثل مدينة أصفهان مركزا اقتصاديا نشطا، فهي من أهم المدن الصناعية في البلاد، وتضم العديد من المصانع المهمة مثل مصانع الصلب والإسمنت وتكرير البترول والأقمشة والنسيج.
وتشتهر المدينة بالصناعات اليدوية من مثل صناعة المشغولات الفضية والنحاسية والخشبية والفخار والخزف والزجاج. وقد تم إحياء الفن القديم لصناعة البلاط من أجل ترميم الآثار القديمة، كما تتميز المدينة بسجادها الفاخر الباهظ الثمن.
وتُعرف المنطقة بالزراعة لخصوبة تربتها ووفرة المياه فيها، وتتنوع محاصيلها الزراعية، ويمثل القطن أهمها، وتزرع فيها كذلك الفواكه والخضروات والحبوب. كما تعتبر أصفهان سوقا تجارية حيوية في البلاد.
والمدينة مركز جذب سياحي لتوفرها على كم هائل من المعالم الأثرية، إضافة إلى اعتدال المناخ وجمال الطبيعة وتنوع التضاريس، ومما زاد جمال المدينة وقوعها على ضفاف نهر زاينده، حيث أقيمت المتنزهات والبساتين، وزُين النهر بالجسور التاريخية البديعة.
المعالم البارزة
تزخر مدينة أصفهان بالمعالم التاريخية ذات الطابع الإسلامي المميز، وتعتبر حاضنة للتراث والفن المعماري الفارسي، وقد اشتُهرت في الثقافة الشعبية الإيرانية بأنها “نصف الدنيا” لما تختزنه من كنوز تراثية وتاريخ غني وصروح معمارية، مما دفع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) لتصنيف أصفهان “مدينة تراث عالمي”. ومن أبرز المعالم التاريخية للمدينة:
“ميدان نقش جيهان”: ويعرف أيضا بميدان الإمام وميدان الشاه، بناه الشاه عباس الأول في بداية القرن السابع عشر، ويعد ثاني أكبر ميدان في العالم، وهو شاهد على الحياة الاجتماعية والثقافية في بلاد فارس خلال الحقبة الصفوية.
ويضم الميدان العديد من المعالم التاريخية مثل المسجد الملكي ورواق القيصرية والقصر التيموري، الذي يعود للقرن الخامس عشر وتحيط به أبنية ضخمة تربط بينها قناطر مبنية من طبقتين. وقد أُدرج المعلم ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي لعام 1979.
مسجد جامع أصفهان: ويعرف أيضا بـ”مسجد عتيق”، يقع في المركز التاريخي لمدينة أصفهان، وهو مجمع تاريخي ضخم، ويعتبر أقدم صرح تاريخي محفوظ في أصفهان، وهو نموذج لتطور عمارة المساجد، وتعد خصائصه المعمارية ابتكارا ملهما للعمارة الإسلامية في جميع أنحاء آسيا.
ويتميز المسجد بإيواناته التي يمثل كل منها مسار العمارة الإسلامية في فترة معينة. ويزدان بالنقوش والزخارف التي تمثل تطور الأسلوب الفني على مدى أكثر من ألف عام من الفن الإسلامي، إذ تم ترميمه وتوسيعه في عصور مختلفة. وقد أُدرج ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 2012.
جسور أصفهان: تعتبر جسور أصفهان إحدى السمات التي تعطي للمدينة طابعها المميز، وقد أقيمت على نهر “زاينده” وهي:
- جسر “سي وسه بل”: أي “جسر الـ33 قوسا”، وأقيم في العهد الصفوي، ويتكون من 33 قنطرة من الآجر، وكانت تقام عليه جميع احتفالات الدولة الصفوية.
- جسر “خواجو”: شُيّد في العهد الصفوي، ويتميز بتصاميم مبهجة من الأشكال الهندسية والأقواس الإسلامية، ويتكون من طابقين، العلوي يختص بالمرور السريع، والسفلي للمشي وتأمل النهر والطبيعة، وفي أسفل الطابق أدراج مخصصة للنزول إلى النهر.
- جسر شهرستان: بُني في القرن الرابع عشر الميلادي شرق مدينة أصفهان، وتصميمه مستمد من النمط المعماري الروماني، وقد شيّد لربط قرية شهرستان بالمنطقة الزراعية على الضفة الجنوبية.
قصر عالي قابو: ويضم غرفا للموسيقى الصوفية وصالات للاستقبال، وكان الغرض من بنائه استقبال السفراء والرسل. يتألف من 6 طوابق مشيدة فوق 18 عمودا من الخشب، ويحتوي على العديد من الشُرف، ويزدان بالزخارف الجصية واللوحات المثيرة للإعجاب، ويتوسط القصر حوض كبير مكسو بالنحاس.
السوق الشاهاني أو “القيصرية”: من أبرز معالم أصفهان، بني في العهد الصفوي على مقربة من مقر الحكومة لتنشيط حركة التجارة، وله مدخل مغطى بالقيشاني الملون، ووسطه متوج بقبة.
وفي نهاية مقالتنا إذا كان لديك أي اقتراحات أو ملاحظات حول الخبر، فلا تتردد في مرسلتنا، فنحن نقدر تعليقاتكم ونسعى جاهدين لتلبية احتياجاتكم وتطوير الموقع بما يتناسب مع تطلعاتكم ونشكرًكم علي زيارتكم لنا، ونتمنى لكم قضاء وقت ممتع ومفيد معنا.