الفرنك الأفريقي.. عملة استعمارية تتحكم بها فرنسا في اقتصاد القارة السمراء | الموسوعة – البوكس نيوز
البوكس نيوز – اخبار – نتحدث اليوم حول الفرنك الأفريقي.. عملة استعمارية تتحكم بها فرنسا في اقتصاد القارة السمراء | الموسوعة والذي يثير الكثير من الاهتمام والجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكما سنتناول بالتفصيل حول الفرنك الأفريقي.. عملة استعمارية تتحكم بها فرنسا في اقتصاد القارة السمراء | الموسوعة، وتعد هذا المقالة جزءًا من سلسلة المقالات التي ينشرها البوكس نيوز بشكل عام.
“الفرنك الأفريقي” عملة فرضتها فرنسا في أربعينيات وخمسينيات القرن الـ20 على 14 دولة أفريقية كانت مستعمرات لها، وذلك تزامنا مع بداية حركات التحرر والاستقلال عن الاستعمار الفرنسي للقارة الأفريقية.
ويعد الفرنك الأفريقي من العملات القديمة في العالم، وعلى الرغم من ذلك فإنه يراوح مكانه ضمن الأضعف في العالم بحسب المؤشرات التنموية والاقتصادية والاجتماعية للدول التي تتداوله، والتي يعاني جلها من عدم الاستقرار السياسي والصراعات المسلحة وتنامي الجماعات المسلحة والانفصالية، إضافة إلى الهجرة السرية نحو أوروبا رغم ثرواتها الطبيعية الهائلة.
تاريخ الاعتماد
ﻓﻲ ﺳﺒﺘﻤبر/أيلول 1939 وتزامنا مع ﺤﺮبها ﺿﺪ ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﺃﺻﺪﺭﺕ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻣﺮﺳﻮﻣﺎ يعتمد ﻧﻈﺎﻡ ﺻﺮﻑ موحد ﻟﺠﻤﻴﻊ دول ﺍلإﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ، ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺮﺳﻮﻡ ﺇﻋﻼﻧﺎ لبداية نشأة “ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻓﺮﻧﻚ”.
مع انتهاء الحرب العالمية الثانية عقد مؤتمر “بريتون وودز” سنة 1944، ومثّل اللبنة الأولى للنظام النقدي العالمي الجديد، ومن خلال مخرجاته أسس نظام الصرف الأجنبي.
أتاح نظام الصرف الجديد لرئيس الجمهورية الخامسة الفرنسية الجنرال شارل ديغول ووزير ماليته رينيه بليفين ووزير المستعمرات جاك سوستال تنظيم نقد المستعمرات الفرنسية السابقة لضمان التبعية والهيمنة الفرنسية، وكذلك ضمان ارتباطها بالفرنك الفرنسي بعد استقلالها.
ﻭﻓﻲ ﺩﻳﺴﻤﺒﺮ/كانون الأول 1945 أصدرت فرنسا رسميا قانونا يقضي بإنشاء نظام مصرفي خاص تحت مسمى “منطقة الفرنك” في مستعمراتها الأفريقية وﺣﺪﺩﺕ ﻗﻴمة عملة الفرنك الأفريقي ﺑـ1.7 ﻓﺮﻧﻚ ﻓﺮﻧﺴﻲ، ﻭبلغت قيمته التداولية سنة 1949 نحو فرنكين فرنسيين.
واﺭتبطت هذه ﺍﻟﻌﻤﻠﺔ الأفريقية ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﻚ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ارتباطا ﻣﺒﺎﺷﺮا، ﻭﻇﻞ ﺍﻟﻮﺿﻊ كذلك حتى مع نيل ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ عن طريق ﺗﻮﻗﻴﻊ ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ التي ﻋدﻝ ﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻌﻤﻠﺔ وشكلها، فيما ﺑﻘﻲ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﻭﺍﻟﻤﻀﻤﻮﻥ ﻗﺎئمين.
دول منطقة الفرنك الأفريقي
تضم منطقة الفرنك الأفريقي مجموعتين نقديتين، هما:
الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا
أنشئ يوم 10 يناير/كانون الثاني 1994 في العاصمة السنغالية دكار ليحل محل الاتحاد النقدي لغرب أفريقيا الذي سبق أن أنشئ في عام 1963، ويضم الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا 8 دول، هي: بنين وبوركينا فاسو وساحل العاج وغينيا بيساو ومالي والنيجر والسنغال وتوغو، ومقره في واغادوغو (بوركينا فاسو).
المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا
أنشئت يوم 16 مارس/آذار 1994 لتحل محل الاتحاد الجمركي والاقتصادي لوسط أفريقيا، وأعلن عنها من مدينة نجامينا في تشاد وتضم 6 دول هي: الكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو والغابون وغينيا الاستوائية وتشاد، ودخلت حيز التنفيذ في يونيو/حزيران 1999، ويقع مقرها الرسمي في بانغي عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى.
المبادئ المنظمة لعملة الفرنك
الاتفاقية الموقعة بين فرنسا والدول الأعضاء للاتحاد النقدي للفرنك فرضت السيطرة الكاملة والمباشرة لفرنسا على إدارة الموارد المالية لدول منطقة الفرنك، فقد نصت مادتها العاشرة على تعيين عضوين فرنسيين في مجلس إدارة البنك المركزي لدول غرب أفريقيا.
وعلى هذا الأساس ووفق المادة 81 من النظام الأساسي للبنك فإن لهذين العضوين من بين 16 عضوا للمجلس حق النقض على أي تصويت تتخذه إدارة المجلس، كما ترتكز هذه الاتفاقية في خطوطها العريضة على المبادئ الآتية:
مبدأ مركزية الحسابات
بموجبه تسلّم دول منطقة الفرنك احتياطياتها النقدية إلى الخزينة الفرنسية ضمانا لاستقرار قيمة العملة.
هذا البند شهد عددا من المراجعات، فمن سنة 1945 ﺇﻟﻰ 1973 ﻛﺎﻧﺖ الأصول ﺍﻷﺟﻨﺒﻴﺔ لدول ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻔﺮﻧﻚ ﺍﻷﻓﺮﻳﻘﻲ كافة في ﺧﺰﻳﻨﺔ ﻓﺮﻧﺴﺎ، ﻭﻣﻦ سنة 1973 ﺇﻟﻰ 2005 ﺗﻢ ﺗﺨﻔﻴﺾ ﺍﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ 65%، ﻭاستقرت النسبة منذ 2005 على إلزامية تحويل 50% ﻣﻦ ﺃﺻﻮل المنطقة ﺍﻷﺟﻨﺒﻴﺔ إلى ﺍﻟﺨﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ.
مبدأ ثبات سعر الصرف
تم الاتفاق على أن يكون سعر صرف اليورو مقابل الفرنك ثابتا عند 655.957 فرنكا، كما أن الاحتياطيات الواجب إيداعها يتم الاحتفاظ بها بسعر فائدة منخفض عن أسعار الفوائد العالمية، إذ انخفض سعر الفائدة على الودائع في فرنسا من 8.5% سنة 1982 إلى ما دون 0.8%.
مبدأ حصرية تحويل الفرنك إلى اليورو
إذ إن الفرنك الأفريقي غير قابل للتحويل إلا لليورو، وبدون تحديد الكمية التي يمكن تحويلها دوريا.
مبدأ حرية تحويل رؤوس الأموال من المنطقة إلى فرنسا
يمكّن هذا المبدأ المستثمر الأجنبي والوطني من تحويل روؤس الأموال من المنطقة نحو فرنسا دون قيود قانونية أو تشريعية.
تُصدَر وتُطبَع النقود المتداولة في منطقة الفرنك حصريا في فرنسا، وتحديدا في مدينة شاماليير، والدول التي تستخدم الفرنك الأفريقي ملزمة بذلك.
النتائج على مستوى دول المنطقة
تشكل عائدات فوائد هذه الأصول في قيمتها ثروة اقتصادية ومالية مهمة جدا تستفيد منها فرنسا بصفة مباشرة، وتمكنت باريس من رفع احتياطيها النقدي في المركزي الفرنسي على مدى عقود، في المقابل لم تستفد منها الدول الأفريقية المنضوية تحت منطقة الفرنك، بل شهدت في أغلبيتها أزمات اقتصادية خانقة.
هناك انخفاض دائم في السيولة المالية عند الحكومات التي تكون في حاجة ماسة إليها، كما قللت العقوبات في الصادرات هامش تدخّل البنوك المركزية، مما يجعلها بدورها تركز فقط على مكافحة التضخم دون التفكير في برامج تعنى بالتنمية الاقتصادية، فضلا عن ندرة أموال الاستثمار الواجب توفيرها للشركات، ومواجهة الأسر الأفريقية لمعدلات فوائد بنكية مرتفعة.
ارتباط هذه الدول اقتصاديا ونقديا بخزانة دولة واحدة وفق الاتفاقية منعها من القيام بتنويع دول تخزين احتياطياتها الأجنبية، والذي يعد قاعدة اقتصادية مهمة تهدف إلى تشكيل ضمان نقدي لهذه الدول للمحافظة على قوة عملتها واقتصاداتها.
كل ما سبق تسبب في عدم قدرة هذه الدول على خلق توازنات لتوفير بيئة اقتصادية تجذب الاستثمارات الأجنبية والمرونة في التعاطي مع متطلبات العرض والطلب والأزمات الاقتصادية.
نصّبت فرنسا بموجب هذه الاتفاقيات مراقبا اقتصاديا يقيد دول المنطقة ويحدد معاملاتها النقدية مع الدول أو الشركات الأخرى، إذ يعد المرور بالمؤسسات المالية الفرنسية أمرا يشمل جميع العمليات المالية للمنطقة.
أدت هذه السياسة إلى تقلص نسب وموارد الدول من الادخار العام بكافة الدول الأفريقية التابعة لمنطقة الفرنك، كما أدى إلى سهولة تبييض ونقل الأموال المتأتية من الكسب غير المشروع لدى النافذين والسياسيين والفاسدين في أفريقيا، من بعض ضباط الجيش والحكام والعائلات الثرية ذات المصالح المرتبطة بفرنسا.
تم تقييد المبادلات التجارية داخل منطقة الفرنك الأفريقي، حيث تبلغ 10% في وسط أفريقيا و15% داخل غرب أفريقيا فقط، في حين تبلغ 60% مع الشركات المتمركزة داخل المجال الأوروبي.
ويلاحظ التباين الشاسع بين الاقتصادات الصناعية الأوروبية وبين اقتصادات دول منطقة الفرنك الأفريقي التي يعاني معظمها من اختلالات هيكلية وبنيوية حادة، وهو ما يجعل ميزان المدفوعات يميل لصالح فرنسا وأوروبا.
النتائج على المستوى الفرنسي
في المقابل، حظيت فرنسا بمزايا عديدة، إذ أحكمت قبضتها على اقتصادات هذه البلدان، وتمكنت عن طريق الفائض التجاري لهذه الدول من تخزين احتياطياتها من العملات الأجنبية في البنوك الفرنسية التي يمكنها بعد ذلك استثمارها في الأسواق المالية الدولية.
كما تمكنت الشركات الفرنسية على مدى عقود من الوصول إلى الأسواق المحلية واستخراج واستغلال الموارد، ثم إعادة أرباحها إلى فرنسا دون المجازفة التي تفرضها أحيانا تقلبات العملات الأجنبية في العالم.
تلزم فرنسا المصدرين في البلدان التابعة لها بتحويل 80% من عائداتهم من العملة الصعبة لصالح البنك المركزي الفرنسي خلال شهر من تسلمها، وتدفع البنوك المركزية الموجودة في منطقة الفرنك لاستثمار الـ50% المتبقية في حوزتها من احتياطياتها النقدية في السندات الفرنسية أو السندات المقومة باليورو.
في المقابل، لا تمنح فرنسا تلك الدول سوى القروض التي يتم استثمارها في فتح أسواق جديدة أمام المستثمرين الفرنسيين.
كما تستفيد الشركات الفرنسية والأجنبية عموما من اليد العاملة الرخيصة للإنتاج بتكاليف أقل في دول أفريقيا، وتحول أرباحها إلى فرنسا أو الدول الأوروبية من دون استفادة حقيقية للبلدان الأفريقية.
الوكالة الفرنسية للتنمية التي أنشئت سنة 2001 وأوكلت لها مبادرة تخفيف ديون الدول الأفريقية ودعم تنميتها سيطرت على تحديد أوجه إنفاق المساعدات المرتبطة بهذه المبادرة، وحددت القطاعات المستهدفة والشركات المسؤولة عن تنفيذ المشروعات التي تمولها، والتي أسندت في معظمها إلى شركات فرنسية.
محاولات الانفصال
سنة 1960 قررت غينيا إصدار عملتها الوطنية الخاصة، فما كان من فرنسا إلا أن نظمت عمليات تخريبية لزعزعة استقرار الدولة الجديدة، فدعمت عملاء محليين وأغرقت الاقتصاد بأوراق نقدية مزيفة واعترضت شحنات الأرز لتجويع الغينيين ولتركيع اقتصاد البلاد، وقد أقر بذلك الرئيس السابق لوكالة المخابرات الخارجية الفرنسية بيير ميسمير في مذكراته.
وأيد توماس سانكارا رئيس بوركينا فاسو قطع العلاقات مع فرنسا، وعطل اتفاقيات التعاون معها وقاطع القمة الفرنسية الأفريقية التي عقدت في بوجمبورا في ديسمبر/كانون الأول 1984، وقد اغتيل مع 12 من مساعديه ووُجهت أصابع الاتهام في دعم الانقلاب عليه واغتياله إلى فرنسا وشبكات نفوذها في مستعمراتها السابقة رغم نفيها الرسمي.
من الفرنك الأفريقي إلى الإيكو
انطلاقا من سنة 2007 بدأت وتيرة التحركات والاحتجاجات المناهضة للسيطرة الفرنسية في الارتفاع في عدد من دول منطقة الفرنك، نظرا لارتفاع أسعار المواد الغذائية والظروف الاقتصادية المتدهورة، وشرع المجتمع المدني في تنظيم حملات مقاطعة للمنتجات الفرنسية احتجاجا على استمرار الهيمنة الفرنسية في منطقة الفرنك.
هذه الضغوط المتزايدة دفعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم 21 ديسمبر/كانون الأول 2019 إلى الإعلان في مؤتمر صحفي أقيم في عاصمة ساحل العاج أبيدجان عن حزمة إصلاحات تشمل التخلي عن إلزامية الاحتفاظ بـ50% من الاحتياطيات النقدية لدى الخزانة الفرنسية، وسحب التمثيل الفرنسي في مجلس إدارة البنك المركزي لغرب أفريقيا، ثم تغيير اسم الفرنك الأفريقي إلى عملة “إيكو”.
في المقابل، احتفظت فرنسا بسيطرتها على قابلية تحويل هذه العملة الجديدة إلى عملات أجنبية، كما لم يتم المساس بمبدأ سعر الصرف الثابت مقابل اليورو، بالإضافة إلى الإبقاء على حرية حركة رؤوس الأموال دون قيود.
وعدّ محللون اقتصاديون من القارة السمراء أن هذه القرارات ما هي إلا مناورة فرنسية تحاول من خلالها فرنسا استخدام سياسات غير مباشرة لضمان استمرار سيطرتها على اقتصادات دول منطقة الفرنك.
وفي نهاية مقالتنا إذا كان لديك أي اقتراحات أو ملاحظات حول الخبر، فلا تتردد في مرسلتنا، فنحن نقدر تعليقاتكم ونسعى جاهدين لتلبية احتياجاتكم وتطوير الموقع بما يتناسب مع تطلعاتكم ونشكرًكم علي زيارتكم لنا، ونتمنى لكم قضاء وقت ممتع ومفيد معنا.