كيف تحولت “أنتاركتيكا” إلى قارة للعلوم؟ | علوم – البوكس نيوز
البوكس نيوز – اخبار – نتحدث اليوم حول كيف تحولت “أنتاركتيكا” إلى قارة للعلوم؟ | علوم والذي يثير الكثير من الاهتمام والجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكما سنتناول بالتفصيل حول كيف تحولت “أنتاركتيكا” إلى قارة للعلوم؟ | علوم، وتعد هذا المقالة جزءًا من سلسلة المقالات التي ينشرها البوكس نيوز بشكل عام.
التجارب البحثية في القارة القطبية الجنوبية كثيرة بحيث لا توجد إجابة محددة لعدد التجارب العلمية هناك
بحلول نهاية الخمسينيات من القرن الماضي طالبت بعض دول العالم مثل الأرجنتين وتشيلي وأستراليا وفرنسا بملكية مناطق في القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا)، وفي ذلك الوقت كان هناك جدل بشأن هذه القارة التي لم يكن يملكها أحد بعد ولم توضع أي قوانين لإدارتها.
لكن مع تطور الحرب الباردة وانشغال العالم بالصراع بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة تم توقيع “معاهدة أنتاركتيكا” لأول مرة من قبل 12 دولة، لإنهاء الخلافات بشأن حكم القارة، وأقرت المعاهدة بأنها لا تنتمي إلى أحد.
وفي هذه الأثناء، استغلت فرق من العلماء حول العالم هذا الموقف المحايد للحصول على دعم واسع للبرامج العلمية في القارة، وبالفعل نجح الأمر ونشأت مؤسسات دولية رسمية مختصة بتنسيق الأبحاث العلمية في القطب الجنوبي، فأصبحت القارة القطبية الجنوبية مركزا علميا عالميا.
الجسيم الشبحي
وتوجد إحدى أكبر التجارب العلمية في العالم الآن في قارة أنتاركتيكا، وهي تجربة مكعب الثلج “آيس كيوب”، ومن الاسم يبدو شكل التجربة، فهي مكعب ثلج عملاق بطول وعرض كيلومتر كامل، مع أقصى عمق عند 2.5 كيلومتر تحت سطح القارة القطبية الجنوبية، وهو ببساطة محاولة لاستغلال طبيعة أنتاركتيكا الثلجية لخدمة العلم.
تستهدف التجربة دراسة أحد أكثر أنواع الجسيمات مراوغة في عالم الفيزياء وهو “النيوترينو” عالي الطاقة، والذي يأتي إلى الأرض من مصادر مجرية عميقة جدا، مثل بقايا المستعرات الأعظمية أو النوى المجرية النشطة وانفجارات أشعة غاما.
جسيمات “النيوترينو” عالي الطاقة ضعيفة التفاعل جدا، وكمثال للتوضيح فإن تريليون جسيم منها يمكن أن تمر عبر أحد أصابعك كل ثانية ولن تشعر بها أبدا، لأنها ضعيفة التفاعل جدا ولا تكاد تتفاعل مع شيء، ولذلك تستخدم تجربة “آيس كيوب” مساحة واسعة من الثلج مع عدد كبير من المستشعرات الموزعة بانتظام داخلها لمراقبة أي تفاعل طفيف بين أحد جسيمات “النيوترينو” عالي الطاقة والثلج، وهو شيء يحتمل أن يحدث باحتمال أقل من مرة في المليون، لكن مع كمية الثلج الكبيرة يمكن للعلماء التقاط هذا التفاعل الضعيف.
وقد تم التقاط أولى إشارات “النيوترينو” عالي الطاقة في عام 2017، واكتشف العلماء أن المصدر هو مركز متوهج لمجرة ضخمة اسمها “تي إكس إس 0506+056” تقع على مسافة نحو 5.7 مليارات سنة ضوئية، وتوالت الاكتشافات منذ ذلك الحين.
أصل الكون
أما “بايسيب” فهو مرصد آخر يقع في القارة القطبية الجنوبية، ويستهدف التقاط أثر أول ضوء نشأ في تاريخ هذا الكون بعد نحو 380 ألف سنة فقط من الانفجار العظيم، حيث يستفيد العلماء من طبيعة القارة الجافة جدا، لأن الموجات الدقيقة لهذا الضوء تصل إلى الأرض بشكل مستمر لكنها تتفاعل مع بخار الماء في الغلاف الجوي للأرض.
لكن البرودة الشديدة على قارة أنتاركتيكا -والتي تصل في منتصف القارة إلى نحو 35 درجة تحت الصفر وقد سجلت في بعض الأحيان درجة بلغت 89 تحت الصفر- تنقي الغلاف الجوي من بخار الماء، وبذلك تصل تلك الموجات إلى المستشعرات في مرصد “بايسيب”.
ويستهدف “بايسيب” دراسة هذا الضوء الدقيق من أجل أهداف متعددة، أهمها فهم ما حصل خلال اللحظات الأولى لنشأة الكون، حيث تضخم الكون كله في جزء صغير من الثانية بعد الانفجار العظيم، مما تسبب في توسعه بمعدل سريع للغاية، وتسمى تلك فرضية “التضخم”.
ويبدو أن جانبا آخر من طبيعة “أنتاركتيكا” يخدم علم الفلك كذلك، وهو الظلام الكامل لمدة 6 أشهر تقريبا، وبالطبع انعزال القارة ما يبعدها عن أقرب مصدر ضوء مسافة آلاف الكيلومترات، وإلى جانب الجفاف والارتفاع عن سطح الأرض فإن تلك الخلطة تعد مثالية بالنسبة لمشاريع مثل “التلسكوب القطبي الجنوبي” الذي ساهم في إطلاق أول صورة لثقب أسود في سنة 2019.
بدأ التلسكوب عملياته البحثية في عام 2007، وتم توصيله بكاشف من الجيل الثالث مصمم لتوفير أفضل البيانات عن ظاهرة استقطاب الضوء، مما يساعد العلماء في تقلبات الكثافة في الكون المبكر، بالإضافة إلى كشف أثر جزيئات الغبار في درب التبانة، والتي تعمل على تحريف الضوء أثناء مروره إلى التلسكوب.
تلسكوب القطب الجنوبي قطره 10 أمتار، ويقع في محطة “أموندسن-سكوت” للقطب الجنوبي، ويساهم مع مرصد “بايسيب” في فهم الفترة المبكرة من تاريخ هذا الكون الواسع.
تجارب كثيرة
في الواقع، فإن التجارب البحثية في القارة القطبية الجنوبية كثيرة بحيث لا توجد إجابة محددة لعدد التجارب العلمية هناك، إذ تُجري البلدان والمنظمات المختلفة أنواعا مختلفة من الأبحاث في مواقع ومواسم مختلفة، ويتغير العدد كل شهر.
لكن في المتوسط يتراوح عدد الأشخاص الذين يقومون بالبحث العلمي في القارة والجزر القريبة بين 4800 خلال موسم الصيف و1200 أثناء الشتاء.
وتوصف القارة القطبية الجنوبية أحيانا بأنها “قارة العلوم”، وهناك عدد من الأسباب التي تدفع العلماء من نطاقات أخرى غير الفلك والكونيات للذهاب إلى القارة القطبية الجنوبية لدراسة جوانب مختلفة من العلوم، مثل نظامها البيئي الفريد وسجل بياناتها المناخية.
وفي هذا السياق، فإن القارة القطبية الجنوبية مهمة لفهم كيفية عمل الأرض كنظام، وكيف تتكيف الحياة مع البيئات القاسية، وكيف يؤثر البشر على البيئة، وكيف يؤثر تغير المناخ على الكوكب.
ووفقا للمسح البريطاني لـ”أنتاركتيكا”، يلعب مجتمع أبحاث القطب الجنوبي النابض بالحياة دورا رائدا في الجهود الدولية للتحقيق في التغير البيئي ومراقبته في المناطق القطبية.
وفي نهاية مقالتنا إذا كان لديك أي اقتراحات أو ملاحظات حول الخبر، فلا تتردد في مرسلتنا، فنحن نقدر تعليقاتكم ونسعى جاهدين لتلبية احتياجاتكم وتطوير الموقع بما يتناسب مع تطلعاتكم ونشكرًكم علي زيارتكم لنا، ونتمنى لكم قضاء وقت ممتع ومفيد معنا.