ما الأسباب الكامنة وراء اندلاع الاحتجاجات الاجتماعية في تونس؟
شهدت عدة مدن تونسية لليوم الرابع على التوالي احتجاجات ليلية جديدة ومواجهات بين الشرطة ومتظاهرين أغلبهم من الشباب. فما هي الأسباب التي تقف وراء هذا الاندلاع المفاجئ للاحتجاجات الاجتماعية في تونس وبخاصة في الذكرى العاشرة لسقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي التي كانت شرارة انطلاق “الربيع العربي”.
تحولت الاحتجاجات الاجتماعية التي اندلعت في تونس بالتزامن مع الذكرى العاشرة للثورة، لأعمال شغب في عدة مدن يقف وراءها سكان مناطق مهمشة معظمهم من الشبان. فلماذا وقعت هذه الصدامات مع الشرطة؟
ما الذي أثار هذه المواجهات؟
ليس ثمة واقعة محددة تسببت بهذه الحوادث. لكن التوترات المتصاعدة أصلا جراء الأزمة الاجتماعية العميقة التي فاقمها وباء كوفيد-19 ازدادت مع نشر عناصر الشرطة لفرض احترام حظر التجول الذي يبدأ في الساعة الرابعة بعد الظهر من الخميس إلى الأحد.
وطبق حظر التجول في الأشهر الأخيرة اعتبارا من الثامنة مساء، ولكن تم تشديده في الأيام الأربعة الأخيرة للحد من تفشي فيروس كورونا. وقال المحلل السياسي سليم خراط “من الصعب تضييق الخناق على الشبان علما بأن بعضهم لا يعود عادة إلى منزله سوى للنوم هربا من التوتر أو الاختلاط”.
وشهر كانون الثاني/يناير يشهد عادة تعبئة في تونس كونه يصادف ذكرى العديد من النضالات الاجتماعية والديمقراطية. لكن كل التجمعات محظورة راهنا، ولم يستثن هذا التدبير إحياء الذكرى العاشرة لسقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني/يناير 2011.
من هم المحتجون وما هي مطالبهم؟
مع حلول الليل في الأيام الأخيرة، عمد شبان وأحيانا قاصرون وفق وزارة الداخلية إلى تحدي عناصر الشرطة عبر رشقهم بالحجارة والزجاجات الحارقة. والمفارقة أن ليس هناك مطالب واضحة. وتصف السلطات وكذلك بعض السكان هؤلاء بأنهم “مهمشون” وخصوصا أن الاحتجاجات تخللتها أعمال نهب. وعلق خراط “هناك نية لمواجهة رموز السلطة في الأحياء المهمشة، وخصوصا مراكز البريد والشرطة”.
تأتي هذه المواجهات بعد سلسلة من التظاهرات منذ الصيف رفضا لإهمال الدولة المناطق المهمشة. ويندد محتجون بالطبقة السياسية الغارقة في معاركها الداخلية من دون إدراك البؤس الذي غرقت فيه العائلات الفقيرة أصلا بسبب الوباء.
ورأى المؤرخ بيار فيرمورين “لعل عدم اندلاع مزيد من الاحتجاجات يشكل معجزة”، ملاحظا أنه في مواجهة التراجع التاريخي لإجمالي الناتج المحلي (-9 في المئة)، لم تعد الدولة التونسية الغارقة في الديون قادرة على الحد من الأزمة.
وأضاف أن “السياحة التي تشغل نحو ربع السكان باتت شبه معدومة ومن دون عائدات تعويض على غرار فرنسا”. وخلال أشهر الإغلاق الثلاثة العام الفائت، دفعت الدولة 140 يورو من المساعدات لكل عائلة فقيرة.
كذلك، يعاني بعض المتظاهرين الشبان مشكلة التسرب المدرسي الذي يطاول مئة ألف شاب كل عام. وبعد إغلاق شامل للمدارس من آذار/مارس حتى الصيف، لا يتلقى الطلاب دروسا إلا بمعدل يوم واحد كل يومين، الأمر الذي يزيد الوضع سوءا في الأحياء الأكثر تهميشا.
ما المخارج الممكنة؟
يبدو الحل الأمني الوحيد المتاح حاليا خشية تصاعد التوترات. وتكثفت الدعوات إلى التظاهر الثلاثاء. وأسف الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) إزاء “صمت” السلطات مع دعوته إلى وقف الاحتجاجات الليلية.
ورغم أنه انتخب العام 2019 بدعم من قاعدة شابة متكئا على شعبية واسعة، فإن الرئيس التونسي قيس سعيّد يلتزم الصمت. أما رئيس البرلمان راشد الغنوشي الذي يتزعم حركة النهضة الإسلامية، فاكتفى بمنشور مقتضب على موقع فيس بوك قال فيه “حفظ الله تونس”.
وليس رئيس الحكومة هشام مشيشي في وضع يحسد عليه، فالتعديل الوزاري الواسع الذي أعلنه السبت لا يزال ينتظر موافقة برلمان منقسم.
وأوضح فيرمورين أن “الطبقة السياسية تعاني الانقسام من جهة وتواجه من جهة أخرى أزمة اقتصادية غير مسبوقة”، لافتا إلى أن عليها اتخاذ “إجراءات بالغة الصعوبة” للحصول على تمويل، مذكرا بأن صندوق النقد الدولي يدفع نحو خفض الدعم على السلع الأساسية.
واتهم بعض المسؤولين السياسيين “أحزابا” لم يسموها بتدبير أعمال العنف لزعزعة استقرار البلاد.
وقال خراط “هناك أطراف داعمون صحيح، ولكن لا أعتقد أن ثمة تنسيقا مشتركا. من يستطيع القيام بتعبئة مماثلة؟”، معتبرا أن “نظريات المؤامرة تريح” مطلقيها بدل أن يتصدى هؤلاء للمشكلات في العمق.