هكذا تم اعتقال نافالني فور وصوله من برلين إلى موسكو!
عاد المعارض الروسي أليكسي نافالني من برلين إلى موسكو على متن طائرة روسية. مراسل DW رافقه في رحلة العودة وكشف عن أشياء غريبة حدثت على متن الطائرة وفي المطار، قبل أن يتم اعتقال نافالني فور وصوله.
رحلة برلين-موسكو لشركة الطيران الروسية “بوبيدا” (تعني بالعربية: النصر) يوم 17 كانون الثاني/ يناير 2021 لم تكن عادية أبداً. وحتى قبل إجراءات تسجيل الوصول إلى المطار، كان من الواضح أن شيئاً غير عادي يحدث. فقد كان نحو 100 شخص ينتظرون عند مدخل مبنى “التيرمينال” رقم (5) في مطار برلين-براندنبورغ، وكانوا جميعاً يريدون أن يودعوا المعارض الروسي أليكسي نافالني، الذي قرر العودة إلى موسكو بعد عدة أشهر قضاها في ألمانيا.
معظم أولئك الأشخاص كانوا صحفيين من جميع أنحاء العالم، لكن بعضهم كانوا نشطاء يحملون لافتات، مكتوب على إحداها: “انتهت أيام الديكتاتورية”، كما نادى بعضهم بـ”الحرية لروسيا”. لكن نافالني لم يظهر عند مدخل المبنى، فقد تم اصطحابة مباشرة إلى البوابة.
مفاجآت على متن الطائرة العديد من سيارات الشرطة كانت أمام الطائرة. لكن الركاب فوجئوا أكثر عندما صعدوا إلى متنها. ربما لم يشاهدوا مطلقاً هذا العدد الكبير من الكاميرات والمراسلين الذين ينقلون الأخبار مباشرة على متن طائرة. بدأ العديد من الركاب يهمسون لبعضهم البعض بأن أحد المشاهير ربما يكون على متن الطائرة.
فجأة، وعندما امتلأت الطائرة دون أن يظهر نافالني بعد، بدأ أحد الركاب في إهانة المضيفة والركاب. وصفه البعض بأنه مستفز، بينما اشتكى آخرون من أنهم لا يريدون السفر معه على متن الطائرة. في النهاية اقتيد الراكب خارج الطيارة ولم يبد أي مقاومة، بل استمر في الصراخ ووصف كل ما يحدث بأنه “مسرحية سخيفة”.
نافالني يصعد إلى الطائرة بعد ذلك أتى أهم راكب. صعد نافالني أخيراً إلى الطائرة مع زوجته يوليا. شهق البعض (استغراباً)، وبدأ آخرون في التصفيق. كان يمكن سماع صوت آلات التصوير في كل مكان. وكان يرافقه العديد من الرجال الأقوياء الذين كانوا يتفحصون المقصورة. بعض الصحفيين خمنوا بأنهم قد يكونون من رجال الشرطة أو الاستخبارات.
كان على نافالني أن يجد طريقه إلى مقعده الذي يحمل الرقم (13)، والذي وصفه بأنه “يجلب الحظ”، متجاوزاً حشداً من الصحفيين. استغرق الأمر منه نحو عشر دقائق للقيام بذلك. شكر نافالني الجميع على قدومهم. وعندما سألته عما إذا كانوا سيقبضون عليه في موسكو، أجاب: “يعتقلوني؟ غير ممكن!”.
مؤتمر صحفي على متن الطائرة عندما ظهرت إشارة شد حزام الأمان (من قبل المضيفين) بعد الإقلاع، ركض الصحفيون إلى نافالني. خشي بعض الركاب من أن الطائرة قد تفقد توازنها، إذ كان هناك عدد كبير من الأشخاص في جزء واحد من الطائرة. اضطر الطيار في النهاية إلى التدخل وطلب من الصحفيين الالتزام بالنظام، وبعد ذلك عاد بعضهم إلى مقاعدهم.
في حديث مع ، أظهر بعض الركاب تفهمهم للوضع. وقال سفياتوسلاف: “نحن بخير، ومن الجيد أن نافالني نجا، وأنه بخير وبصحة جيدة، وأنه يسافر معنا إلى موسكو. نحن نهتم بمصيره. ستكون الطائرة قادرة على التحمل”.
عندما أعلن الطيار أن الطائرة لن تهبط في مطار فنوكوفو، لأسباب فنية، ولكن سيتم تحويل مسارها إلى مطار شيريميتييفو في موسكو، علت أصوات التصفيق والهتافات. قال العديد من الركاب إنهم يعرفون أن ذلك “ليس صدفة”، وأنه قد تم تغيير مسار الطائرة عمداً إلى مطار آخر، حيث لا توجد تجمعات. ماذا حدث في هذه الأثناء في فنوكوفو؟ كان العديد من الأشخاص قد قرروا الترحيب شخصياً بنافالني، الذي يشغل منصب رئيس مؤسسة مكافحة الفساد ()، في المطار. تم تسجيل أسماء نحو 10 آلاف شخص على الموقع الرسمي لهذا الحدث وحده، والذي أعلن عنه موظفو المؤسسة في موسكو. الادعاء العام أصدر تحذيرات على الفور مشيراً إلى تحمل المسؤولية عن حضور الأحداث “غير المصرح بها” في المطار يوم وصول نافالني. كما لم يعطِ مطار فنوكوفو رخصة تصوير للصحفيين.
ووفقاً لتقديرات جمعية “وايت كونتر”، وهي جمعية روسية تطوعية تحصي أعداد المشاركين في التجمعات والمسيرات، وصل حوالي 2000 شخص إلى المطار، ليس فقط من موسكو ، بل من مختلف أنحاء البلاد. لكن بعض النشطاء لم يتمكنوا من الوصول إلى العاصمة لأنهم اعتقلوا في القطارات.
كان من المتوقع وصول الطائرة التي تقل نافالني إلى المطار في الساعة السابعة مساء. في اليوم السابق، كانت سيارات نقل السجناء تنتظر في مبنى المطار. وفي يوم الوصول نفسه، تم تقييد الوصول إلى مناطق المغادرة والوصول. فقط الأشخاص الذين كانت لديهم تذاكر طيران كان يمكنهم الدخول. وقال العديد من الأشخاص، بمن فيهم الكاتب ديمتري بيكوف، لـ إنهم اشتروا تذاكر طيران رخيصة فقط ليتمكنوا من الدخول. وقال روسلان شافيدينوف، وهو موظف في مؤسسة مكافحة الفساد، لـ: “هذه لحظة تاريخية. نافالني يعود إلى روسيا بعد التسميم وإعادة التأهيل الصعبة. جئت لدعمه”. وبحسب قوله، فقد دأبت السلطات الروسية لأيام على نشر دعاية مفادها أنه من غير المسموح استقبال نافالني في المطار. وأضاف شافيدينوف: “لكننا جميعاً هنا وكل شيء يسير بهدوء وسلام”. لكن وبعد عدة دقائق، تم اعتقاله مع الناشطين كونستانتين كوتوف وليوبوف سوبول. في الوقت نفسه، أطلقت الشرطة سراح أوليغ، شقيق أليكسي نافالني. يبدو أنها لم تتعرف عليه.
ثم دخلت القوات الخاصة مبنى المطار واعتقلت أشخاصاً آخرين. بعضهم رددوا هتافات ورفعوا لافتات، لكن آخرين اعتُقلوا دون سبب. ووفقاً لـ “”، وهو مشروع إعلامي مستقل يسلط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان والاضطهاد السياسي في روسيا، تم اعتقال 55 شخصاً في فنوكوفو، بعضهم تعرض للعنف، كما أصيب شخص في عينه.
اكتشف النشطاء أن نافالني لن يهبط في فنوكوفو فقط قبل 10 إلى 15 دقيقة من الهبوط المخطط له. تم تغيير مسار الرحلة فجأة وتوجهت الطائرة شمالاً إلى مطار شيريميتييفو.
كيف تم اعتقال نافالني بعد مغادرة الطائرة مباشرة، تمكن نافالني من عقد مؤتمر صحفي عفوي في مبنى المطار، أمام إعلان مضاء بصورة الكرملين، وقال: “لقد وصلت، ويمكنني أن أقول إنني سعيد جداً بوصولي. هذا هو أفضل يوم لي في الأشهر الخمسة الماضية، على الرغم من أن ألمانيا بلد رائع جداً. هذا هو وطني. لقد جئت إلى هنا ولست خائفاً”، وأضاف نافالني للصحفيين: “أعلم أنني محق في أن الإجراءات الجنائية ضدي ملفقة”.
للحظة بدا الأمر كما لو أن نافالني لن يُعتقل على الإطلاق. لكن بعد فحص الجوازات مباشرة، عندما دخل الأراضي الروسية رسمياً، أحاط به رجال الشرطة واقتيد إلى غرفة مغلقة. وذكرت سلطات تطبيق القانون الروسية لاحقاً أن نافالني قد اعتقل بسبب “انتهاكات متعددة للإفراج المشروط”. وقبل أن يتم نقله إلى السجن، استطاع أن يودع زوجته يوليا. وفي اليوم التالي قضت محكمة روسية في دعوى مستعجلة بحبس نافالني لمدة 30 يوماً بدعوى انتهاك شروط حكم صدر ضده مع إيقاف التنفيذ، وانتهاكه لفترة خضوعه للمراقبة جراء إدانة سابقة، وذلك بعد أن أصدرت السلطات الروسية قرارا بالبحث عنه. ومن قاعة المحكمة، دعا نافالني مواطني بلاده بشكل علني إلى الخروج إلى الشارع للاحتجاج. وقال :”لا تخافوا، اخرجوا إلى الشارع”.