ولاية دار وداي في تشاد.. بقعة انتشر منها الإسلام والعربية وسط أفريقيا | الموسوعة – البوكس نيوز
البوكس نيوز – اخبار – نتحدث اليوم حول ولاية دار وداي في تشاد.. بقعة انتشر منها الإسلام والعربية وسط أفريقيا | الموسوعة والذي يثير الكثير من الاهتمام والجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكما سنتناول بالتفصيل حول ولاية دار وداي في تشاد.. بقعة انتشر منها الإسلام والعربية وسط أفريقيا | الموسوعة، وتعد هذا المقالة جزءًا من سلسلة المقالات التي ينشرها البوكس نيوز بشكل عام.
أحد أقاليم جمهورية تشاد، يقع في الجزء الشرقي للبلاد وعاصمته مدينة أبيشي، يعيش فيه حوالي 997 ألف نسمة، وكان معقلا لمملكة وداي التي تأسست عام 1611م على يد عبد الكريم بن جامع، وتقول المصادر التاريخية إنه ينحدر من العباسيين الذي فروا من العراق إثر غزو المغول.
أنشأ عبد الكريم والسلاطين من بعده واحدة من أقوى الممالك الإسلامية في السودان الأوسط خلال العصر الوسيط، إذ اهتموا بنشر الإسلام بين القبائل الأفريقية وتشجيع بناء المساجد، حتى أصبحت المملكة مركزا رئيسيا للثقافة الإسلامية واللغة العربية، وانتشرت منها إلى بلدان وسط أفريقيا.
قاومت المملكة الاستعمار الفرنسي بشراسة في القرن العشرين، وخاض سلطانها دود مرة عدة معارك مدعوما بسلطان دارفور وقوات الحركة السنوسية وسلطان المساليت، إلا أن المجازر التي ارتكبها الفرنسيون ضد السكان المدنيين أجبرته على الاستسلام، فتم تنصيب ابن عمه سلطانا بدون صلاحيات تنفيذية، وبعد خروج الاستعمار الفرنسي من المنطقة أصبحت مملكة وداي واحدة من الممالك الإسلامية الثلاث التي شكّلت دولة تشاد الحديثة، إضافة إلى مملكتي كانم وباقرمي.
الموقع والتقسيم الإداري
يقع إقليم دار وداي في الجزء الشرقي لجمهورية تشاد، يحده من الشرق جمهورية السودان، ومن الشمال إقليم وادي فرا، ومن الغرب إقليم البطحاء، ومن الجنوب إقليم سيلا.
يمتد على مساحة تقدر بحوالي 30 ألف كيلومتر مربع، وهو أحد أقاليم جمهورية تشاد الـ23، عاصمته الإدارية مدينة أبيشي، وينقسم إلى 3 وحدات إدارية هي: وارا، وأسونغا، وعبدي، ويضم 16 مقاطعة و16 بلدية، إضافة إلى المئات من القرى.
كان قبل عام 2002 يُعرف باسم محافظة وداي، ثم تم اعتماد تقسيم إداري جديد واقتطاع منطقتين منها، هما سيلا والجرف الأحمر، وتشكيل إقليم جديد هو إقليم سيلا.
المناخ
يتميّز الإقليم بمناخ صحراوي جاف وحار، ويشهد تساقط أمطار غزيرة، إذ يبلغ متوسط هطول الأمطار 803.8 مليمترات.
السكان
يبلغ عدد سكان الإقليم 997 ألف نسمة حسب إحصائيات رسمية عام 2018، منهم 482 ألف رجل و515 ألف امرأة.
يُوزع السكان على مجموعات عرقية رئيسية، هي: الودايين، والزغاوة، والمساليت، والهوسا، والفور، والعرب، والتاما.
التسميات
اشتهرت دار وداي بالعديد من الأسماء، منها: دار مبك (مبا)، ودار وداي، ودار برقو، ودار صليح. ويشار إليها أحيانا بالسلطنة وأحيانا مملكة أو إمبراطورية.
وطُرحت عدة روايات لتفسير مصدر هذا الاسم، تزعم بعضها أن المملكة كانت تدفع جزية سنوية لسلطان دارفور منذ تأسيسها على يد عبد الكريم جامع إلى عهد السلطان يعقوب عروس الذي حكم عام 1681م.
وتقول إحدى هذه الروايات إن اسم وداي مشتق من لفظ ودائع، أي المال الذي كان يرسله سلاطين المملكة لدارفور، في حين تزعم روايات أخرى أن جد المؤسس كان يدعى وودا أو صليح، لذلك أطلق على المملكة اسم دار وداي ودار صليح، وكان هذا الاسم تطلقه عليها الممالك المجاورة، أما السكان فكانوا يطلقون على أنفسهم اسم مبا أو دار مبك.
عاصمة الإقليم
كانت وارا عاصمة مملكة وداي مند تأسيسها حتى منتصف القرن التاسع عشر، وكانت لأكثر من قرنين مدينة مزدهرة اقتصاديا وثقافيا، ثم انتقلت العاصمة إلى مدينة أبيشي.
ومن الأسباب لتي تذكرها المصادر لتفسير تغيير العاصمة الانخفاض الحاد في منسوب المياه بمدينة وارا، إلى جانب الاضطرابات السياسية التي شهدتها، ما جعل السلطان محمد شريف يتخذ قرار نقل المقر الملكي إلى أبيشي عام 1848م.
وتقع المدينة في مفترق طرق التجارة الصحراوية، وكانت أيضا محطة مهمة في طريق الحج، إذ كان المسلمون من غرب أفريقيا يمرون عبرها في طريقهم لأداء مناسك الحج، وفي عام 1858م افتتح فيها نزل لاستقبال الحجاج، وكان يمر منها حسب المصادر حوالي 80 ألف حاج سنويا.
وظهرت المدينة في بؤرة الأحداث عام 2007 بعد محاولة أعضاء منظمة خيرية فرنسية اختطاف أكثر من مائة طفل تشادي، ونقلهم من مدينة أبيشي إلى فرنسا من أجل عرضهم للتبني على أسر فرنسية.
وأوقف المسؤولون التشاديون عملية تهريب الأطفال عندما كانوا متوجهين إلى طائرة تنتظرهم في مطار أبيشي، وبينما قال أعضاء المنظمة إن الأطفال أيتام وينحدرون من إقليم دارفور السوداني، وكانوا يريدون نقلهم إلى فرنسا بعيدا عن الحرب، أعلنت تشاد أن هؤلاء الأطفال تشاديون، وأن العديد منهم اختطفوا من آبائهم وليسوا أيتاما.
التاريخ
ظل تاريخ المنطقة مجهولا قبل وصول الإسلام إليها، وتذكر المصادر التاريخية أن أول من حكم البلاد هم الأحباش عام 733م، والهلاليون في القرن التاسع والعاشر الميلادي، فالعمالقة الكنعانيون في القرن العاشر والحادي عشر، ثم الزغاوة والسنارة الذين أسسوا أول سلطنة إسلامية واسعة النفوذ في المنطقة حسب المقريزي، وبعدهم بنو هلبة ثم التنجر.
واختلفت المصادر حول أصل التنجر، فمنهم من يقول إنهم من البربر، ومنهم من نسبهم إلى النوبة، ومنهم من نسبهم إلى التبو، الذين كانوا يعيشون في هضبة تبستي شمال تشاد، ومنهم من قال إن نسبهم يرجع إلى العرب الهلاليين الذين قدموا من تونس واستقروا في دارفور ووداي، وفي هذه الأخيرة أسسوا مملكة وعاصمتها كدمة.
حكم التنجر قرابة قرنين من الزمان (القرنين السادس عشر والسابع عشر)، إلى حين تأسيس مملكة وداي الإسلامية عام 1611م على يد عبد الكريم جامع الملقب بمجدد الإسلام.
نقل محمد بن عمر التونسي -مؤرخ ورحالة انطلق في رحلة من مصر إلى السودان فدارفور ثم وداي، حيث قضى فيها 18 شهرا قبل أن يعود إلى تونس عام 1813م- عن فقهاء المنطقة قولهم إن نسب سلاطين هذه المملكة يرجع إلى العباسيين الذين غادروا العراق فرارا من المغول ولجؤوا إلى مصر.
وانتقل بعضهم من مصر إلى الحجاز ثم سافروا إلى شندي، ومن ثم إلى دارفور ثم استمروا في السير غربا حتى استقروا في جبال كدي، ومن بينهم شخص اسمه جامع عُرف بصلاحه وتدينه ومعرفته الكبيرة بالدين الإسلامي، فصاهر ملك الكدي وتزوج ابنته التي أنجبت له عبد الكريم جامع مؤسس سلطنة وداي.
ويتفق عدد من المصادر مع رواية التونسي حول أصل الوداي، إذ تؤكد انتسابهم إلى العباسيين، وتشير إلى أنهم على الرغم من اختلاطهم وانصهارهم مع القبائل الزنجية لم يؤثر ذلك على ألسنتهم، إذ ظلوا ينطقون العربية بسهولة ويسر ومن غير تحريف ولا عجمية، لكن ذلك أثر على لون بشرتهم مما جعلهم متعددي الألوان، فمنهم السمر والقمحيون.
وإذا كان عدد من الدراسات والروايات اتفقت على أن حكام دار وداي ينتسبون إلى العباسيين، فقد ذهبت إلى أن السكان الأصليين ينتسبون إلى القبائل الأفريقية وبعض القبائل العربية من غير العباسيين.
بعد أن سيطر عبد الكريم بن جامع على مملكة وداي وكان متفقها في الدين، شرع في توطيد دعائم ملكه حتى صارت من أقوى الممالك الإسلامية التي قامت بالسودان الأوسط في العصر الوسيط، إذ عمل على نشر الدعوة الإسلامية ومحاربة الظلم والفساد، وتشجيع بناء المساجد في القرى المجاورة، وإرسال الدعاة من أصحابه إليها.
وامتدت حدود المملكة في ذلك الوقت إلى أم شعلوبة شمالا وغربا حتى بحر الغزال ومشارف بحيرة تشاد، وإلى الجنوب امتدت لمنطقة سلامات وشرقا حتى حدود مملكة دارفور.
وذكر التونسي في كتابه “رحلة إلى وداي” أن مساحتها تساوي مسيرة ثلاثين يوما طولا و24 يوما عرضا، تحدها من الشرق مملكة دارفور، ومن الغرب مملكة باقرمي، ومن الجنوب أراضي عباد الأصنام.
تحولت المملكة إلى مركز رئيسي لنشر الإسلام واللغة العربية في وسط أفريقيا لعدة عوامل، من بينها موقعها المتاخم للسودان وليبيا ومصر، واستخدامها اللغة العربية في دواوينها الرسمية، والشريعة الإسلامية في محاكمها المحلية، كما كان لها اتصال بالباب العالي في إسطنبول عن طريق القاهرة، إذ كانت للعثمانيين سفارة في العاصمة أبيشي، وظلت المملكة مركزا حضاريا مهما في أفريقيا إلى حين دخول الاستعمار الفرنسي في بداية القرن العشرين.
الاستعمار الفرنسي
قاومت مملكة وداي الاستعمار الفرنسي بشراسة، إذ أعلن سلطانها “دود مرة” الجهاد ضد الفرنسيين، وتحالف مع قوات الحركة السنوسية في ليبيا وسلطان دارفور وسلطان المساليت، وخاضوا معا معارك ضارية ضد المستعمر انتهت باضطرار سلطان وداي للاستسلام بعد المجازر التي ارتكبت ضد المدنيين.
استولى الفرنسيون على العاصمة أبيشي عام 1909، وتم دمج وداي في الأراضي العسكرية لتشاد عام 1912، وعينت السلطات الاستعمارية ابن عم السلطان دود مرة واسمه محمد أصيل سلطانا على وداي، لكنها نزعت منهم السلطات التنفيذية بموجب معاهدة وقعها مع الحاكم الفرنسي.
وعمل الاستعمار الفرنسي على محاربة اللغة العربية والثقافة الإسلامية وفرض ثقافته ولغته، وهو ما واجهه السكان والعلماء بالرفض والتحدي، إذ رفضوا التعليم الفرنسي وتمسكوا بموروثهم الثقافي، وبسبب ذلك تعرض عدد من العلماء للنفي والقتل.
ومن أبشع الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في المملكة مذبحة الكبكب التي وقعت عام 1917، وراح ضحيتها المئات من العلماء والمحدثين والمفسرين وعلماء اللغة.
وكلمة كبكب هي ترجمة من اللغة الفرنسية لكلمة (coupe) وتعني قطع، وكانت السلطات الاستعمارية قد أمرت بقطع رؤوس العلماء والمسؤولين المحليين بالساطور، واستمرت هذه المجزرة ثلاثة أيام، وشملت العاصمة أبيشي ونواحيها.
وأدت هذه المجزرة إلى هجرة العديد من العلماء الذين نجوا من القتل إلى الدول المجاورة، ونتيجة لذلك ضعف التعليم الإسلامي واللغة العربية في المنطقة، وأدخل الاستعمار اللغة الفرنسية في التعليم وجعلها إجبارية في جميع المؤسسات التعليمية.
بعد انسحاب القوات الفرنسية، أصبحت المملكة جزءا من دولة تشاد الحديثة التي تشكلت من ثلاث ممالك إسلامية رئيسية، وهي إلى جانب وداي مملكة كانم التي تأسست في القرن الثامن الميلادي في الشمال، ومملكة باقرمي في حوض بحيرة تشاد، وتأسست في القرن الحادي عشر.
وما زال أحفاد العباسيين يتوارثون السلطنة في إقليم وداي رغم أنها سلطنة رمزية، ففي عام 2020 صدر مرسوم رئاسي عين فيه شريف عبد الهادي مهدي سلطانا لسلطنة دار وداي العباسية وتم تنصيبه في حفل جماهيري.
الاقتصاد
يعتمد اقتصاد الإقليم على الزراعة وتربية الماشية والتجارة، إذ يتوفر على أراض خصبة شاسعة تُزرع فيها أنواع عديدة من المحاصيل الزراعية، من أهمها الدخن الذي يزرعه معظم سكان الإقليم، ويعد دخن وداي من أجود أنواع الغلة في تشاد.
وتشتهر المنطقة أيضا بالفول السوداني والسمسم والبصل، ويعد إقليم وداي المصدر الرئيسي لهذا المحصول في تشاد، يضاف إلى ذلك منتجات أخرى كالخضراوات والمانغو والجوافة والبطيخ والنبك، وغيرها من المحاصيل، كما تزخر الولاية بثروة حيوانية كبيرة، بأنواعها المختلفة.
وتعد مدينة أبيشي أكبر المراكز التجارية بالبلاد، وقبلة للكثير من السلع الأساسية والتحسينية والكمالية لسكان الإقليم خصوصا وسكان الشمال الشرقي للبلاد عموما.
وتنتج مدينة أبيشي العديد من المنتجات اليدوية بجودة عالية، ومن أهمها الأحذية النسائية والرجالية والحقائب وزينة الخيول، وكل هذه المنتجات مصنوعة من الجلد الخالص ومن النوعية الجيدة.
وتعتبر منطقة وداي بوابة لدخول عدد من السلع المستوردة مثل الأثاث بأنواعه والمشروبات الغازية والسكر والشاي والوقود ومواد البناء والأرز، وغيرها من المواد الغذائية والأغطية والملابس، مما يدر على الدولة عائدات مالية مهمة من الجمارك.
وفي نهاية مقالتنا إذا كان لديك أي اقتراحات أو ملاحظات حول الخبر، فلا تتردد في مرسلتنا، فنحن نقدر تعليقاتكم ونسعى جاهدين لتلبية احتياجاتكم وتطوير الموقع بما يتناسب مع تطلعاتكم ونشكرًكم علي زيارتكم لنا، ونتمنى لكم قضاء وقت ممتع ومفيد معنا.