إبادة المقاومة في أي سياق؟ | آراء – البوكس نيوز
البوكس نيوز – اخبار – نتحدث اليوم حول إبادة المقاومة في أي سياق؟ | آراء والذي يثير الكثير من الاهتمام والجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكما سنتناول بالتفصيل حول إبادة المقاومة في أي سياق؟ | آراء، وتعد هذا المقالة جزءًا من سلسلة المقالات التي ينشرها البوكس نيوز بشكل عام.
لماذا يتقبل الغرب المتحضر إبادة المقاومة الفلسطينية في غزة؟ لماذا يتقبل ضميره مقتل عشرات الألوف من الفلسطينيين؟ لماذا يتقبل هدم القطاع بأكمله على رؤوس وجثث ساكنيه؟ لماذا لا يتدخل لوقف الحرب بصورة حاسمة؟
إبادة المقاومة الفلسطينية في غزة 2023 – 2024م حلقة في تاريخ طويل من العنف وتصدير الحرب وإبادة المختلف، تاريخ مبكر بدأ قبيل أن تكتمل إبادة الحضارة الإسلامية الأندلسية في شبه البوكس نيوز الإيبيرية – إسبانيا والبرتغال – بصورة نهائية باستسلام غرناطة عام 1492م.
حتى ذلك التّاريخ كان المسلمون ملوك البحار، وكان الأوروبيون رهائن محبوسة داخل القارة، كانت البحار محظورةً عليهم الملاحةُ فيها بإجماع المسلمين، ثم مع مطلع القرن الخامس عشر وضعوا أقدامهم في سبتة على سواحل المغرب.
استعمار واستعباد
ثم في 1482م وصلوا إلى مصب نهر الكونغو، ثم 1491م وصلت سفينة برتغالية على متنها أول فوج من المستعمرين المستوطنين ومن القساوسة والمبشرين، وأقاموا أول مستوطنة باسم ملك البرتغال، وكان ذلك، كما يقول آدم هوتشايلد – في كتابه ” شبح الملك ليوبولد : قصة الجشع والعنف والبطولة في استعمار أفريقيا” – : “كان ذلك أول لقاء بين أوروبيين وأمة أفريقية سوداء”. ص 16.
وعلى رأس القرن الخامس عشر – وبالتحديد في عام 1500 م – وصلت سفينة برتغالية محملة بالقساوسة والمبشرين، والمغامرين، وتجار العبيد، والباحثين عن الثروة – بطريق الخطأ – إلى شواطئ البرازيل، من هذه اللحظة بدأ تاريخ أوروبا الحديث والمعاصر، تاريخ موصول لم ينقطع، استعمار أميركا، واستعباد أفريقيا، استعمار خيرات البرازيل باستعباد الإنسان الأفريقي.
وربما هذا يفسر لك بعضًا مما تراه من ردود فعل دولية على حرب الإبادة الصهيونية في غزة، حيث الغرب شريك كامل في الإبادة، وحيث كل من أميركا اللاتينية وأفريقيا في طليعة ردود الفعل الغاضبة، غضب أميركي لاتيني، ثم غضب أفريقي، لا نظير لهما في العالمين العربي والإسلامي، وكان الغضب أولى بهما من غيرهما.
وبين الاستعمار والاستعباد، جرت إبادة الحضارات والثقافات المحلية، جرى التنصير الكاثوليكي، ثم البروتستانتي، جرى تراكم رأس المال عبر الرأسمالية التجارية، جرت الثورة الصناعية، تحققت الطفرات العلمية، تأكدت هيمنة أوروبا على باقي قارات العالم يابسها وبحرها ومحيطها وظاهرها وباطنها.
وفي هذه القرون الخمسة، صارت أوروبا ولواحقها – كندا وأميركا وأستراليا – واحة للرفاهية والثروة ورغد العيش، مثلما هي مركز السيادة والتفوق والسيطرة، وحتى تحافظ أوروبا على منجزات القرون الخمسة، وحتى تضمن تأمين تلك الواحة من الرفاهية، وتكفل استمرار السيطرة، بقيت تحافظ على رسالتها التاريخية: تصدير الحرب والعنف الكامن والظاهر إلى كل مكان في العالم، عنف متعدد المستويات والأشكال، عنف يصل حد الإبادة.
تصدير الحروب والخراب
الحلقة الأخيرة من عنف الغرب تدور حول القرن العشرين، قبله بقليل، وبعده بقليل. هذه الفترة من خواتيم القرن التاسع عشر حتى لحظتنا هذه من الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، هي الملامح الراهنة للعقل الغربي، وهي القسمات المميزة للوجه الغربي، كما تراه هذه اللحظة، عقل لا يمانع في ارتكاب الإبادة، قسمات وجه لا يعكر صفوها المذابح تقصف رقاب الأبرياء.
في السنوات العشر الأخيرة من القرن التاسع عشر، كانت الإبادة الجماعية ضد شعوب الكونغو على يد المستعمرين البلجيك، ويقال؛ إن رقم الضحايا وصل عشرة ملايين قتيل، ثم أعقبها مباشرة باكورة مذابح القرن العشرين، حيث إبادة المستعمرين الألمان عشرات الألوف من شعب ناميبيا، وعند خاتمة القرن العشرين إبادة المسلمين على يد الصرب في سربرنيتسا في كوسوفو 1995م.
تقريبًا مائة عام تفصل بين إبادة شعوب الكونغو ثم ناميبيا في وسط غرب أفريقيا، وبين إبادة المسلمين في وسط البلقان في قلب أوروبا، وبين هذه وتلك، بين مطلع القرن وخاتمته لم تتوقف أوروبا والغرب عن تصدير الحرب والعنف إلى كل شبر في العالم.
الحرب العالمية الأولى حصدت أرواح عشرة ملايين، الحرب الثانية حصدت أرواح ستين مليونًا، ثم الحرب الباردة أشعلت ما لا حصر له من الحروب الإقليمية بالوكالة.
القرن العشرون بلغت فيه الحضارة الغربية ذروتها كديمقراطيات رأسمالية صناعية تكنولوجية، كما بلغت ذروتها كنبع عنف ومهد حرب وقوة قتال تحكم سيطرتها بحلف الأطلسي، وتحزم الكون بقواعد حرب تكفي لتدميره آلاف المرات.
هذه الذروة الغربية – الحضارة والعنف معًا – خربت وما زالت تخرب العالمين العربي والإسلامي: غزو أفغانستان 2001م، غزو العراق 2003م، تمزيق بلدان الربيع العربي 2011م، حتى هذه اللحظة، فلما وقعت حرب الإبادة الصهيونية ضد غزة 2023 – 2024م كان العالمان العربي والإسلامي في أسوأ أوضاعهما رسميًا وشعبيًا: فقد تم اعتبار المقاومة امتدادًا لتيارات الإسلام السياسي، وهذه التيارات يتم تصفيتها بتوافق إقليمي ودولي، بعد أن كادت تسيطر سيطرة كاملة – عبر الانتخابات الديمقراطية – على الإقليم بأكمله، والمنطق هو أن تتم تصفية المقاومة في سياق تصفية تلك التيارات.
وهذا يفسر لك صمت الحكومات في العالمين العربي والإسلامي، كما يفسر لك صمت بعض التيارات المناوئة للإسلاميين على وجه العموم. كذلك، هناك توافق إقليمي ودولي، على أن السلاح من اختصاص الدول وليس الحركات، بما في ذلك حركات المقاومة.
هذا الدرس الذي خرج به هؤلاء وأولئك من تجارب الحروب الأهلية في الإقليم في أعقاب ثورات الربيع العربي. كذلك استنفدت مفاهيم الجهاد والنصرة والولاء والبراء وكل ماكينة رد الفعل المسلح أغراضها، ولم تعد مقبولة ممن صنعوها أول مرّة.
استنزاف واستدراج
فكرة الجهاد – في المائة عام الأخيرة – لم تكن من منبت إسلامي، لكن كانت غربية المنشأ، ابتكرها الألمان أول القرن العشرين لحشد جماهير المسلمين حول العالم ضد البريطانيين، كان الألمان هم من أقنع السلطان العثماني بإعلان الجهاد الإسلامي ضد الإنجليز في الحرب العالمية الأولى.
لم تحقق الدعوة أية فوائد ذات قيمة؛ لأن مكانة السلطان عند العرب والمسلمين كانت قد تدهورت في لحظة ازدهرت فيها أفكار القومية والاستقلال على حساب فكرة الوحدة والجامعة الإسلامية. كذلك أخفقت دعوة السلطان للجهاد؛ لأن دعاية الإنجليز كانت أذكى وأدهى، فقد وعدوا الجميع حتى انتصروا، ثم نكثوا عهودهم مع الجميع.
المرة الثانية التي ظهرت فيها فكرة الجهاد الإسلامي على نطاق عالمي كانت من اختراع مستشار الأمن القومي الأميركي زبيغنيو بريجنسكي 1928 – 2017م، حيث أعاد توظيف الفكرة الجهادية التي ابتكرها الألمان، لكن في سياق مختلف وبإعداد جيد، تم توظيف كافة تيارات الإسلام السياسي في العالمين العربي والإسلامي؛ لخدمة أميركا والغرب في حربهم الباردة وبالوكالة ضد السوفيات، بالتنسيق مع عدد من الحكومات العربية والإسلامية، وكانت تلك سنوات ازدهار جماعات الإسلام السياسي.
كان الإسلام السياسي رقمًا حاسمًا في الحرب الواسعة ضد السوفيات، وبالذات ضد الحكم الشيوعي في عدن، ثم في إندونيسيا، ثم في أفغانستان. أدى الإسلام السياسي – عن غير وعي – دوره الجهادي في خدمة الغرب حتى سقط الاتحاد السوفياتي. من ذلك التاريخ بدأت تتناقص الأهمية الدولية لتلك التيارات، ثم بدأت تصفيتها – بالتدريج – حتى لا تكاد تسمع بها، ولا تكاد تسمع بفكرة الجهاد.
الظهير الواسع من تيارات الإسلام السياسي التي وقفت – بقوة – مع المقاومة الأفغانية المدعومة من الغرب ضد السوفيات، وضد النظام الشيوعي في أفغانستان لا وجود له الآن، ظهير انقصم ظهره، وخفت صوته، وتلاشى أمره، ثم استهلاكه واستنفاد طاقته واستنزافه، ثم استدراجه للحكم، ثم تأليب الثورات المضادة ضده، ثم تصفيته إلا ممن بقي على العهد في السجون أو في المنافي أو تحت الحصار لكن بلا حضور ولا فاعلية ولا تأثير.
وهذا مستجد هام يلزم أخذه في الحسبان، ففي السابق كانت قوى الإسلام السياسي على درجة رفيعة من التنظيم وذات ملاءة مالية شديدة الثراء، وذات قدرات إعلامية واسعة الانتشار، وذات حضور جماهيري ضخم كان يمكنها من أن تكون ذات فاعلية تساوي أو ربما تفوق فاعلية الحكومات.
غياب الظهير
لا شك أن المقاومة الفلسطينية في غزة تواجه الإبادة محرومةً من سند ودعم هذا الظهير الغائب أو المفقود إلى حين لا يعلمه إلا علام الغيوب. ولم يبقَ للمقاومة غير الدعم من تنظيمات الإسلام السياسي الشيعي سواء في جنوب لبنان، أو في اليمن، أو في العراق، وهي حالات استثنائية، حيث تسمح هشاشة الدولة المركزية بدور كبير لهذه القوى سواء داخل الدولة أو خارجها، ومحليًا أو إقليميًا.
منذ كان المشروع الصهيوني جنينًا في رحم الغيب، تم ادماجه حد الانصهار في بنية المشروع الصليبي الاستعماري الرأسمالي الديمقراطي المعاصر، هذا مشروع تشكل في إطار الصراع ضد الإسلام على مدى ألف عام، بدأ بالصليبية ضد الإسلام في المشرق، ثم في المغرب، ثم الاستعمار، ثم جاءت الصهيونية لتكون اللبنة أو الحجر الأخير في هذا البنيان المرصوص المتكامل.
فمن خمسة قرون، ومع بزوغ البروتستانتية، تلاشت بالتدريج العداوات والحزازات الكاثوليكية – اليهودية، وجرى الالتقاء على كلمة سواء، وهي باختصار شديد: عودة اليهود إلى القدس شرط لازم لعودة المسيح عليه السلام، وتوبة اليهود على يديه.
قاومت الكاثوليكية هذا التفسير أزمانًا طويلة، لكن كانت له الغلبة في النهاية، وما نراه اليوم هو صليبية جديدة، صليبية ذات قناع صهيوني، كما هو صهيونية ذات عمق وحشوة ومضمون صليبي متجذر.
هذه الصهيونية ليست أكثر من تطور للفكرة الصليبية، فكرة أن مهد المسيح لا يجوز أن يكون تحت سلطان الكافرين (المسلمين)، هذه الصليبية الجديدة تفسر لك لماذا منذ نشأة الصهيونية كفكرة، ثم حركة ثم دولة لقيت تأييد كل عواصم الغرب بغض النظر عن مِللهم ومذاهبهم.
صحيح كان مؤسسو الصهيونية علمانيين وربما ملاحدة، وصحيح كذلك أن حكام الغرب علمانيون وربما ملاحدة، لكن كانت الصهيونية لهؤلاء مثل الصليبية لأولئك جذر الموقف من أرض فلسطين ومن عموم الشرق الإسلامي، جذر الاختلاف ثم العداء الكامن أو الظاهر، جذر الثقافة والتاريخ الذي يستعصي على الاقتلاع.
القلعة الأخيرة
هذه الصليبية الجديدة تفسر لك، لماذا يتكفل الغرب، كل الغرب، بضمان تسليح إسرائيل بما يكفي لتتفوق وتنتصر على كل العرب والمسلمين مجتمعين في حال – على افتراض – قامت حرب بينهم جميعًا وبين إسرائيل.
بهذا المعنى فإن إسرائيل هي آخر قلاع الصليبية، قلعة تضافر على بنائها الغرب – مجتمعًا – رغم ما بينه من خلافات، قلعة جاءت لتبقى، لا لتزول، فإذا بدرت بوادر الزوال، في الحقيقة أو في الخيال، احتشد الغرب كله، فيتدفق السلاح، وتنشط الدبلوماسية، وينهض الإعلام، ويتم إبعاد الضمير، ولا مكان للمبادئ والقوانين الدولية والإنسانية، إذا خطر خاطر الزوال فلا أقل من الاحتشاد لإبادة مصدر الخطر وشبح الخاطر.
ومن ثم فإن الرد الطبيعي – من وجهة نظرهم على أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023م – هو إطلاق يد إسرائيل لأجل إبادة آخر قلاع المقاومة، والغرب كله من خلفها، يمدها بالسلاح والمشورة وغض الطرف عن جرائمها وحمايتها من المساءلة، ولا قيمة للشعب الفلسطيني إلا مثل قيمة الشعوب والحضارات التي سبق أن أبادها الغرب في الأميركتين وأفريقيا، أبادها وهو يزعم أنه يهديها إلى روحانية المسيحية، وينقذها من الكفر والوثنية، ويزودها بأنوار الحضارة الغربية .
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة البوكس نيوز.
وفي نهاية مقالتنا إذا كان لديك أي اقتراحات أو ملاحظات حول الخبر، فلا تتردد في مرسلتنا، فنحن نقدر تعليقاتكم ونسعى جاهدين لتلبية احتياجاتكم وتطوير الموقع بما يتناسب مع تطلعاتكم ونشكرًكم علي زيارتكم لنا، ونتمنى لكم قضاء وقت ممتع ومفيد معنا.