اللبنانيون يغرقون في النفايات والفقر والوباء
أصبح اللبنانيون يدورون في فلك المعاناة، حيث باتوا لا يستطيعون الفكاك من الفقر فزادهم التلوث اختناقا، وأغلق عليهم وباء كورونا أبواب بيوتهم، وهم بلا مدخرات ولا مؤونة، ما جعل أغلبهم يفكر في الهجرة بعد أن فقدوا كل مقومات الحياة في غياب سلطة حقيقية تهتم بشؤونهم في البلاد.
بينما يغرق لبنان في أزمة اقتصادية وسياسية ومخاطر وباء كورونا منذ أكثر من عام، تتسلل بين مواطنيه أزمة أخرى مرتبطة بالبيئة، سببها تفاقم مشكلات التلوث والتغاضي عن معالجتها.
أبرز تلك المشكلات، عدم معالجة أزمة النفايات بشكل جذري، واستمرار تلوث نهر الليطاني، أطول نهر في لبنان، ما ضاعف من تداعيات نسبة التلوث الحاد في الهواء، المشكلة الأخطر اليوم أن نسبة كبيرة من هذه النفايات تتضمن ما يسمّى بـ”نفايات كورونا”، قد تتحول وسيلة جديدة وسريعة لنقل العدوى.
وبحسب مسؤولين وخبراء، فإن التلوث يزيد من معاناة السكان الصحية والاقتصادية، فيما الجهات الرسمية المعنية غائبة عن اتخاذ التدابير المناسبة لوقف التدهور البيئي. وتوقفت منذ مطلع الأسبوع الثاني من هذا الشهر عمليات جمع بين 800 و1000 طن من النفايات يوميا بين كسروان وجبيل وقسم من بيروت.
عودة النفايات إلى التراكم في الشوارع، تترافق مع توقف أعمال الكنس وازدياد “نفايات كورونا”، التي بحسب تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، تشمل نفايات الرعاية الصحية الناتجة من المراكز الصحية والمنازل، والتي تسهم في زيادة العدوى وانتقال الفايروسات. وهي تضم الأقنعة والقفازات والأنسجة والملابس الخاصة للوقاية والأدوية المستعملة والمنتهية الصلاحية، وكلها تحتاج إلى إجراءات فرز ومعالجة خاصة وإلا سيزداد خطرها على صحة اللبنانيين.
ويرى مقرر لجنة البيئة في البرلمان قاسم هاشم، أن حكومة تصريف الأعمال الحالية لا تضع قضايا البيئة ضمن أولوياتها، لكنه أشار إلى أن التلوث في لبنان مزمن ويزداد تفاقما.
وقال هاشم، “للأسف، استقالة الحكومة وتعثر تشكيل حكومة جديدة جعل الاهتمام بالبيئة خارج الأولويات”، مضيفا أن “المشاكل البيئية ازدادت إلى حدّ ما بسبب الأزمات التي تمر بها البلاد”.
وقالت المتخصصة في دراسة نوعية الهواء الأكاديمية نجاة صليبا، إنه بين عامي 2017 و2020 ازداد تلوث الهواء بنسبة 50 في المئة حسب دراسة أجرتها على عينات مأخوذة من مدينة بيروت.
ولفتت صليبا وهي أستاذة مادة الكيمياء في الجامعة الأميركية ببيروت، إلى أنه في الفترة الأخيرة انخفضت أعمال كنس الشوارع، وازداد تكدس النفايات، وارتفعت أعداد المولدات الكهربائية التي تعمل بالوقود السائل.
أما في المنطقة المتضررة من انفجار مرفأ بيروت، فقد ازداد تلوث الهواء بنسبة 150 في المئة، بسبب الغبار الناتج عن الانفجار والدمار وأعمال رفع الركام، وفق صليبا.
مدير برنامج الحملات في الشرق الأدنى بمنظمة “غرينبيس” الدولية جوليان جريصاتي، قال إن لبنان يسجل أعلى نسب تلوث في الهواء بمنطقة الشرق الأوسط، والسبب في ذلك، غياب مصادر الطاقة المتجددة والصديقة للبيئة.
وفي مقارنة للدلالة على خطورة التلوث، قال جريصاتي، إن تلوث الهواء في لبنان يسبب سنويا حالات وفاة أكثر مما تسببه جائحة كورونا. ويتابع موضحا “في ظل الأزمة الاقتصادية والصحية (جائحة كورونا)، أصبحت قضايا البيئة في أدنى الأولويات عند المسؤولين وأصحاب القرار”.
وحسب تقرير أصدرته المنظمة ذاتها في صيف 2020، بلغ متوسط عدد الوفيات المبكرة في لبنان نتيجة تلوّث الهواء 2700 حالة خلال 2018، أي بمعدل 4 وفيات لكل 10000 شخص، ويعتبر ذلك من أعلى المعدلات في المنطقة.
كما يعاني نهر الليطاني أطول وأكبر نهر في لبنان (طوله 170 كلم) من تلوث حاد، ما أفقده دوره كشريان حياة أساسي في البلاد لتأمين مياه الشرب والري وتوليد الكهرباء.
وبحسب مدير عام المصلحة الوطنية لنهر الليطاني (جهة رسمية) سامي علوية، فإن الأزمة الاقتصادية في البلاد شكلت ذريعة بالنسبة إلى الوزارات المعنية والمتعهدين، لعدم تنفيذ تدابيرل معالجة التلوث ووقف الصرف الصحي والصناعي الذي يصب في النهر.
وأضاف علوية، أنه “في ظل الأزمة، ازداد انتشار مكبات النفايات العشوائية على ضفاف النهر، ما استوجب مضاعفة تحرك فرقنا لمنع ذلك”، لكنه أشار إلى أن “الأمور تتفاقم”.
ويفتك تلوث نهر الليطاني بصحة المواطنين في المناطق القريبة منه والتي تشكل حوالي 20 في المئة من مساحة لبنان. وبحسب علوية، هناك آلاف الإصابات بالأمراض السرطانية في البلدات المحيطة والقريبة من النهر، مشيرا إلى أنه في بلدة واحدة (من أصل 296) سُجلت 600 إصابة.
وأشار إلى أن 20 في المئة من المزروعات في منطقة البقاع (شرق ووسط لبنان)، تُروى بمياه الليطاني الملوثة، وبالتالي فهي غير صالحة للاستهلاك البشري. ووفق علوية فمن الأضرار الاقتصادية لتلوث النهر، انهيار الثروة السمكية وفقدان عشرات العائلات لمصدر رزقهم بعدما كانوا يعتمدون على صيد الأسماك.
ومنذ 2015، يعاني لبنان أزمة النفايات، حيث تشهد بعض المناطق تكدسا لها بين الحين والآخر، ويرى خبراء أن التخلص منها لا يتم بطريقة تراعي الشروط البيئية ما يجعلها تسبب أضرارا صحية. وقال رئيس الحركة البيئية اللبنانية بول أبي راشد، إن مكبات النفايات العشوائية انتشرت بشكل أكبر خلال الأزمة التي تعيشها البلاد.
ووفق أرقام نشرتها وزارة البيئة في 2018، هناك 941 مكبا عشوائيا ينتشر في لبنان، والعشرات منها يتم حرق النفايات بها في الهواء الطلق بمعدل مرة واحدة في الأسبوع على الأقل.
وبين صيف وخريف 2020 شهد لبنان حرائق غابات أدت الى خسارته نحو 7000 هكتار من مساحته الخضراء والأراضي الزراعية، كما تعاني العديد من الشواطئ اللبنانية من التلوث بمياه الصرف الصحي منذ سنوات.